في مقال لموقع ميدل إيست آي، لفت الصحفي "بول كوكران" إلى أن الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر دفعت الشركات الصناعية إلى ممارسات غير مشروعة لتبقى قائمة في السوق.
وقال مصنعون ومحللون لـ "كوكران"، إن نقص العملة الأجنبية ومتطلبات تمويل الواردات المصرفية الصارمة أجبر العديد من المصنعين المصريين على الانخراط في أنشطة التهريب والتجارة غير المشروعة للبقاء واقفة على قدميها. ومع انتشار ممارسات التصدير الزائفة، قد تكون الأرقام التجارية الرسمية لمصر مبالغ فيها أيضًا.
وأوضح "كوكران" أن العام الماضي كان عامًا مضطربًا بالنسبة للشركات المصرية التي تعتمد على استيراد المواد الخام والآلات لتصنيع السلع.
وتابع: "انخفضت قيمة العملة ثلاث مرات مقابل الدولار الأمريكي وفقدت نصف قيمتها، بينما ارتفع التضخم إلى 22 بالمائة في ديسمبر".
وقال مالك مصنع ملابس ومنسوجات في القاهرة "جمال" - وهو اسم مستعار: "نظرًا للتضخم وانخفاض قيمة العملة، تقل قوتنا الشرائية بنسبة تزيد عن 50٪ عن بداية العام الماضي".
وأضاف في حديثه لـ "كوكران": "من الصعب والمكلف استيراد المواد الخام، ويكاد يكون من المستحيل استيراد الآلات، حتى لو كان لديك المال".
لا خيار قانوني
وأشار "كوكران"، إلى أن هذا صعّب على المصنعين الذين كانوا يعتمدون بشكل أكبر على مبيعات السوق المحلي الحصول على الدولار والمواد الخام. وكان لهذا تأثير كبير على صناعة الملابس والمنسوجات في مصر، التي توظف حوالي 1.5 مليون شخص.
وتؤثر مشكلة الصرف الأجنبي على السوق بشكل كبير. وكثير من الشركات المحلية التي تبيع محليًا لا تعمل بأكثر من 50 في المائة من طاقتها بسبب نقص العملة وصعوبة الحصول على المواد الخام.
ولهذا اضطر المصنعون إلى اللجوء إلى وسائل ملتوية للحصول على السلع والعملات الأجنبية.
وأضاف "جمال": "إذا أراد المصنعون الشراء بشكل قانوني، فمن المستحيل إدخال البضائع إلى البلاد. لذلك يبحث المشترون عن تجار جملة يبيعون حاويات من القماش على الفيسبوك. وهناك الكثير من تهريب الأقمشة والغزل والإكسسوارات الأخرى".
يتم استخدام تقنيات أكثر تعقيدًا لإدخال الدولار إلى حسابات الشركات المصرفية؛ حيث أوضح "جمال": "إذا قلنا أنه لا يمكنك إيداع 100 ألف دولار في البنك، فأنت بحاجة إلى تغيير وضع المال إلى عائدات الصادرات".
للقيام بذلك، تقوم الشركة المصنعة بتصدير حاوية سلع منخفضة الجودة إلى صديق يمتلك شركة في بلد آخر، مثل دبي. ثم يقوم المصنع المصري بتحويل المبلغ المراد إعادته بالدولار إلى "الشريك في الجريمة"، على حد تعبير جمال، من خلال تاجر صرافة في السوق السوداء في مصر.
وتابع "جمال": "ليس لدينا خيار سوى القيام بأمور غير قانونية للبقاء في العمل."
جميع أنواع الألعاب
في دوائر الجرائم المالية، تُعرف هذه الممارسة باسم "غسيل الأموال عن طريق التجارة".
وقال محلل اقتصاد سياسي مقيم في القاهرة لطلب عدم ذكر اسمه لـ "كوكران": "كثير من الناس يفعلون ذلك من خلال السوق السوداء. وهناك جميع أنواع الألعاب والجميع يعرف ذلك".
وتابع: "يمكنك أن تدفع لتجار الصرف الأجنبي مقابل ما تريد، ولكن بمعدل أعلى. وهناك حافز مالي كبير للقيام بذلك، وإذا كان من السهل القيام بذلك بطرق غير شرعية، فسيقوم الجميع بذلك".
وأوضح "جمال" لـ "كوكران": "هناك الكثير من الأعمال التي يمكنك القيام بها من خلال هذه التحويلات لأنها تتطلب الكثير من رأس المال العامل".
وتابع: "إذا كان لديك رأس مال (س)، فعليك أن تضعفه بمقدار 1.5 أو 1.8 مرة لنقله خارج البلاد. كما يتعين عليك الانتظار حتى يتم تصدير البضائع، وقيام عمليات النقل".
وذهب "جمال" إلى القول إنه إذا كان "الخيار الآخر الوحيد المتاح أمام الشركات المصرية هو الحصول على قرض بنكي ولكن بفوائد تتراوح بين 18 و 20 في المائة، فالأمر لا يستحق".
مشكلة يتجاهلها الجميع
وقال "كوكران": "يؤدي التهريب والتلاعب في التجارة إلى تشويه الأرقام الحقيقية للاستيراد والتصدير في مصر، حيث يقدر "جمال" أن حوالي نصف شركات الملابس والمنسوجات، بالإضافة إلى شركات أخرى، منخرطة في مثل هذا النشاط غير المشروع".
وتابع: "عليك أن تضع في اعتبارك أنه عندما تخبرك الحكومة في الأخبار أنها أرقام الصادرات زادت، فمن المحتمل أن يكون هذا بسبب الصادرات الوهمية".
ووافق المحلل الذي طلب عدم ذكر اسمه قائلًا: "هذا يشوه الأرقام التجارية وينتج بيانات مضللة. والبيانات الخاطئة هي جزء من مشاكل مصر الاقتصادية؛ حيث تتحدث الحكومة عن الأرقام بحملة دعائية كبيرة لجعلها تبدو إيجابية، لكن إذا نظرت إلى الحقائق والأرقام فهي ليست كذلك".
وتابع: "لقد اتجهت مصر إلى التسول وتعتمد بشكل كامل على دول الخليج والأموال الدولية (للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون) بسبب الفشل التام لنموذج النظام الاقتصادي".
قد تتراجع أزمة العملات الأجنبية بعد تدفق ما يقرب من مليار دولار إلى مصر في اليوم التالي من انخفاض قيمة العملة في يناير، وقال المحلل إن هذه التدفقات "ليست كافية في أي مكان".
وتابع: "هناك فرق كبير بين الواقع في الشارع وبين ما تراه على التلفزيون المصري؛ حيث لا تزال هناك سوق سوداء مزدهرة، مما يدل على أن الوزراء يكذبون. وتظل المشكلة تتمثل في نقص الدولار".

