تعتبر بطولة كأس العالم 2022 فيفا قطر، هي البطولة الثانية والعشرون من بطولة كأس العالم، التي تقام كل أربع سنوات والتي تتنافس عليها المنتخبات الوطنية الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وتستضيف قطر هذه النسخة في الفترة من 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر 2022. وهذه أول نسخة من كأس العالم تقام في الوطن العربي والثانية التي تقام في آسيا بعد نسخة 2002 التي لُعبت في كوريا الجنوبية واليابان.
أول مواجهة كروية سبقتها عداوات سياسية
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين إيران وأمريكا انقطاعًا منذ سقوط نظام الشاه، وحادثة احتجاز 52 من الرهائن داخل السفارة الأمريكية في طهران عام 1979. وأدت هذه الحادثة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين.
وأرسى النظام الإسلامي الوليد في إيران نظامًا صاغ شعارات وأهدافًا خاصة، من أهمها شعار "الموت لأمريكا الشيطان الأكبر"، وأوقعت القرعة البلدين في مجموعة واحدة في كأس العالم 1998 الذي أُقيم في فرنسا، تماما كما فعلت بعد 24 عامًا في النسخة الحالية من البطولة في قطر، وفقًا لـ"الجزيرة".
وفي عام 1988، زادت الأزمة تعمقًا بعد إسقاط صاروخين أمريكيين لطائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية، مما أدى إلى مقتل 290 إيرانيًا من بينهم 66 طفلًا، ورفضت الولايات المتحدة أن تعتذر عن هذا السلوك أو تتحمل المسؤولية.
وشكلت المباراة التي جمعت بين منتخبَي إيران وأمريكا، في كأس العالم 1998، حدثًا دوليًا كبيرًا اكتسب طابعًا سياسيًا أكثر منه رياضيًا؛ لدرجة أنها وُصفت بـ"أم المباريات" و"المباراة الأكثر تسييسًا في تاريخ كرة القدم"، حالها حال مباراة كأس العالم 2022.
وكان محمد خاتمي، هو رئيس جمهورية إيران الإسلامية. وبعد انتخابه في مايو 1997، قام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد، كما أبدى انفتاحًا على الغرب؛ فدعا إلى حوار الحضارات، وإلى إقامة علاقات دبلوماسية بناءة مع الدول الأوروبية.
وكان خاتمي أيضًا أول رئيسٍ لإيران يُجري -منذ سنة 1979- مقابلة مع مؤسسة إعلامية أمريكية، حين أطلّ عبر قناة CNN في يناير 1998، وألمح خلال المقابلة إلى استعداد بلاده للتقارب مع الولايات المتحدة، وفقًا لـ"عربي بوست".
وفي الجهة المقابلة، كان بيل كلينتون يرأس الولايات المتحدة في تلك الفترة، وقد تميّزت سياسته الخارجية بالجنوح نحو السلم بدلًا من الحرب.
"لأجل شهدائنا وشعبنا.. لن نخسر هذه المباراة"

ومع هذه المعطيات السياسية، فإنّ الظروف كانت مواتية لجعل مباراة إيران وأمريكا 1998 فرصةً للتقارب بين البلدين. فبادر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" (FIFA) إلى الاستفسار من مسؤولي اتحادَي البلدين حول إمكانية التقاط صورةٍ جماعية بين لاعبي المنتخبَين، قبل بداية المباراة. وفعلًا، كانت تلك الصورة الجماعية تاريخية؛ وقد التُقطت فوق أرضية ملعب "جيرلان" في مدينة ليون الفرنسية، يوم 21 يونيو 1998.
وحملت المباراة معاني للإيرانيين أكثر من كونها لعبة رياضية، حيث قال اللاعب الإيراني وأحد أعضاء المنتخب آنذاك خُداداد عزيزي قبل انطلاقها "لأجل شهدائنا وشعبنا، لن نخسر هذه المباراة".
لُعِبَت المباراة وسط حضور مكثف لشرطة مكافحة الشغب، وتقدم اللاعبون الأمريكيون لمصافحة اللاعبين الإيرانيين (رفض المرشد أن يكون الإيرانيون هم مَن يذهبون للمصافحة ووافق المنتخب الأمريكي على أن يفعل ذلك)، وفي المقابل قدَّم اللاعبون الإيرانيون لنظرائهم الأمريكيين - بتعليمات من السلطة الإيرانية - بعض الهدايا في الملعب على مرأى الجميع، ثم انطلقت المباراة التاريخية، وانتهت بفوز إيران بهدفين مقابل هدف واحد، وسجل هدفي إيران حميد رضا أستيلي ومهدي مهدوي كيا، وسجل هدف أمريكا برايان مك برايد.
وظهر في المباراة جانب سياسي آخر بعيد مرتبط بالنظام الإسلامي وخصومه من الإيرانيين، إذ حصلت مشادة داخل المدرجات الإيرانية ذاتها نتيجة وجود بعض أنصار منظمة "مجاهدي خلق"، الذين رفعوا شعارات معارضة للنظام الإيراني.
تداعيات فوز إيران على أمريكا
بعد انتهاء المباراة بفوز إيران بنتيجة هدفين لواحد؛ كان هذا أول انتصار في تاريخ مشاركات إيران في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وكان هذا الفوز بمثابة التتويج بكأس العالم بالنسبة لإيران، فهو الفوز الأول لهم تاريخيًا في كأس العالم، فضلًا عن أن المنافس كان "أمريكا".
وقد تسببت تلك النتيجة في الإقصاء الرسمي للمنتخب الأمريكي من المنافسة، فيما حافظ المنتخب الإيراني على حظوظه في التأهل إلى الدور الثاني؛ قبل أن يخرج -هو أيضًا- من السباق بعد خسارته في الجولة الثالثة أمام منتخب ألمانيا (0-2)، مع العلم أنه كان قد خسر مباراته الأولى أمام منتخب يوغسلافيا بهدفٍ نظيف.
وبعد نهاية مباراة إيران وأمريكا 1998، تمنى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس روبن "حظًا موفقًا لمنتخب إيران في المباريات المقبلة"، وفقًا لما جاء في جريدة Les Echos الفرنسية.
كما تحدث بكلمات واعدة، عندما قال: "نتمنى بناء علاقات جديدة، وتحطيم جدران عدم الثقة وخلق تفاهمٍ أفضل، إنها البداية".
ومن جهته، صرّح لاعب المنتخب الأمريكي جيمس أغو قائلًا: "لقد فعلنا في 90 دقيقة أكثر مما فعله السياسيون في 20 عامًا".
أما رئيس إيران محمد خاتمي، فقد اعتبر الفوز على الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة "رمزٍ للوحدة الوطنية".
يُشار إلى أن منتخبَي إيران وأمريكا تواجها مرةً أخرى في مباراةٍ ودية، بعد 18 شهرًا من المباراة الأولى، في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا الأمريكية؛ وذلك في سياق الاستمرار بمساعي التقريب بين شعبَي البلدين، قبل أن تتوقف فيما بعد المبادرات السلمية من الجانبين.
ملعب الثمامة يجمع المواجهة الثانية بين المنتخبين
وتكررت، أمس، "أم المباريات"، في ظروف مشابهة للمباراة الأولى قبل 24 عامًا، ولكن على أرض ملعب الثمامة في العاصمة القطرية الدوحة في الجولة الثالثة لمباريات المجموعة الثانية، في واقع فرضته القرعة قبل انطلاق كأس العالم وربما لم يكن يتمناه الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
فكان حضور إيران وأمريكا في المجموعة ذاتها أمر من الصعب فصله عن السياسة والنظر فيه رياضيًا فحسب، رغم شعار فيفا الذي يقول إن في كرة القدم لا مكان للسياسة.
وما زاد الأمر توترًا أنها مواجهة حاسمة لتأهل أحد المنتخبين إلى الدور الثاني؛ فإيران دخلت المباراة وفي جعبتها ثلاث نقاط بعد الفوز على ويلز والخسارة من إنجلترا، فيما دخل أمريكا اللقاء وهي تمتلك نقطتين من التعادل مع ويلز وإنجلترا، وفوز أي المنتخبين كان يعني تأهله مباشرة إلى الدور الثاني، وهو ما تمكن المنتخب الأمريكي من الوصول إليه بنتيجة اللقاء الذي انتهى بفوز أمريكا 1-0 على المنتخب الإيراني.
ويقول لي آرمان الذي يشارك في الاحتجاجات في بلاده إنه لم يؤيد الحملة التي طالبت بإقصاء المنتخب الإيراني من البطولة لعداءات سياسية، مؤكدًا أن الشعب الإيراني يقف صفًا واحدًا لدعم منتخبه رغم الخلافات السياسية التي يشهدها الشارع هذه الأيام.
ويعد المنتخب الإيراني، ثاني أفضل منتخب آسيوي ترتيبًا في التصنيف العالمي للمنتخبات FIFA. وقد حضر في كأس العالم 6 مرات سنوات 1978 و1998 و2006 و2014 و2018 وأخيرًا في قطر 2022.
أمريكا تفوز على إيران وتبلغ دور الـ16 لمونديال قطر 2022

وأحرز هدف المباراة الوحيد، المهاجم كريستيان بوليسيتش في الدقيقة 38 من زمن الشوط الأول، واحتل المنتخب الأمريكي المركز الثاني في المجموعة الثانية (B) برصيد 5 نقاط، وتأهل إلى الدور ثمن النهائي، رفقة منتخب إنجلترا، متصدر المجموعة برصيد 7 نقاط.
وضرب منتخب "العم سام" موعدًا في دور الـ16 للبطولة مع نظيره الهولندي، بطل المجموعة الأولى.
بينما اكتفى منتخب إيران بالمركز الثالث برصيد 3 نقاط، وودع نهائيات النسخة الـ22 من بطولة كأس العالم لكرة القدم، رفقة منتخب ويلز، صاحب المركز الرابع والأخير برصيد نقطة يتيمة.

