تحولت رحلة عمالة شابة من أبناء مركز أشمون بمحافظة المنوفية إلى واحدة من أبشع المآسي التي شهدها طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، بعدما انتهت بتصادم مروع أودى بحياة 5 شباب في مقتبل العمر، وخلّف 13 مصاب، بعضهم في حالات حرجة، وسط اتهامات مباشرة لسائق الميكروباص بالاستهتار بأرواح الركاب وخرق أبسط قواعد السلامة.
في شهادة إنسانية موجعة، كشفت “جنة”، إحدى الناجيات من الحادث، تفاصيل الساعات الأخيرة قبل وقوع الكارثة، مؤكدة أن ما حدث لم يكن قضاءً وقدرًا بقدر ما كان نتيجة سلسلة طويلة من التجاوزات والإهمال والعنف، بدأت منذ لحظة صعودهم إلى السيارة وانتهت بمشهد دموي هز المنوفية وأعاد إلى الواجهة ملف نزيف الطرق السريع.
سيارة للموت لا تتسع للبشر
تروي “جنة” أنه عقب استقرار حالتها الصحية، ما زالت تفاصيل الرحلة عالقة في ذاكرتها، مؤكدة أن الميكروباص، المخصص لنقل 14 راكبًا فقط، كان يقل 24 شخصًا دفعة واحدة، معظمهم من العمالة اليومية التي تتراوح أعمارها بين 17 و22 عامًا، في غياب تام لأي رقابة أو إجراءات أمان.
وتضيف أن الزحام الخانق داخل السيارة لم يكن مجرد مخالفة مرورية، بل كان مؤشرًا مبكرًا على كارثة وشيكة، خاصة مع إصرار السائق على تحميل المزيد من الركاب بطريقة وصفتها بـ«غير الآدمية»، دون أي اعتبار لقدرة السيارة أو سلامة من بداخلها.
المقاول يقود.. والعنف يفرض الصمت
بحسب الشهادة، بدأت فصول المأساة الفعلية في الساعات الأولى من الصباح، عندما وصل الركاب إلى طريق سنتريس، حيث قرر “المقاول” الذي كان ينظم الرحلة تولي قيادة السيارة بنفسه بدلًا من السائق الأصلي، في خطوة وصفتها الناجية بأنها كانت نقطة التحول الأخطر.
وتوضح “جنة” أن السائق الجديد أصر على إجبار الركاب على الجلوس بنظام “الأربعات” داخل الكنبة الواحدة، رغم ضيق المساحة وعدم صلاحيتها لذلك، وعندما اعترضت شقيقتها على الجلوس في وضع مهين بين “القلب والكنبة”، لم يتردد السائق في الاعتداء عليها بالضرب لإجبارها على الصمت، في مشهد صادم يعكس مناخ الرعب الذي ساد داخل السيارة.
سرعة جنونية واستهتار بالأرواح
لم يتوقف الأمر عند العنف الجسدي، بل تصاعدت المخاطر مع انطلاق السيارة بسرعة جنونية على الطريق الصحراوي، دون أي مراعاة لطبيعة الطريق أو لحمولة الميكروباص الزائدة، فيما كان الركاب، بحسب الناجية، عاجزين عن الاعتراض خوفًا من التعرض للاعتداء أو إنزالهم في الصحراء.
وتصف “جنة” تلك اللحظات بقولها إن الجميع كان يدرك أن الرحلة غير آمنة، لكنهم كانوا أسرى الحاجة إلى العمل وكسب لقمة العيش، وسط غياب أي بديل أو حماية.
مطاردة التريلا ولحظة الاصطدام
في أكثر أجزاء الشهادة قسوة، تروي الناجية أن السائق كان يلاحق سيارة نقل ثقيل “تريلا” كانت تسير أمامهم في مسارها الطبيعي، ويتعمد مضايقتها والمناورة حولها بشكل استهتاري، واصفة تصرفاته بأنه كان “بيهزر” على الطريق.
وتؤكد أن هذه المناورات الخطرة تكررت أكثر من مرة، إلى أن فقد السائق السيطرة تمامًا في المرة الأخيرة، فاصطدم الميكروباص بالتريلا بسرعة هائلة، لتعم الفوضى داخل السيارة ويفقد جميع الركاب وعيهم في لحظات.
تبرئة سائق النقل وتحميل المسؤولية
شددت “جنة” في أقوالها على أن سائق التريلا لم يرتكب أي خطأ، وكان يسير في مساره بشكل طبيعي، محملة المسؤولية الكاملة لسائق الميكروباص الذي حول الرحلة إلى ما وصفته بـ«جنازة جماعية»، مؤكدة أن الاستهتار والسرعة والتحميل الزائد كانت الأسباب المباشرة للمأساة.
وأشارت إلى أن شقيقتها أصيبت بنزيف في المخ، استدعى نقلها إلى العناية المركزة، فيما يعاني عدد من المصابين من كسور وجروح بالغة ما زالت تبعاتها النفسية والجسدية مستمرة.
حصيلة الضحايا.. شباب في عمر الورد
وقع الحادث أسفل كوبري الراست بدائرة مركز وادي النطرون، حيث كشفت المعاينة الأولية والتقارير الطبية عن مصرع خمسة من أبناء مركز أشمون، هم:
مجدي محمود محمد عبدالفتاح، وعبد الرحمن وليد عيد، ومحمود جمال، وإسراء أنور صادق، ويوسف أحمد، وجميعهم من قرى الغنامية وشنواي وساقية أبو شعرة وسملاي.
كما أسفر الحادث عن إصابة 13 آخرين بإصابات متفرقة، نُقلوا على الفور إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج، وسط حالة من الحزن والصدمة بين الأهالي.

