"فتح معبر رفح لعدة أيام منذ بدء العام الحالي".. قرار لم تتخذه سلطات الاحتلال الصهيوني بل اتخذته سلطة الانقلاب العسكري في مصر أملا منها في الضغط على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ودفعها لتقديم تنازلات لصالح الكيان الصهيوني وتأليب الرأي العام في قطاع غزة ضدها.
غلق المعبر حول حياة أهالي القطاع من طلاب ومرضى وغيرهم إلى جحيم، وجعلهم يعيشون في "سجن كبير" محرومين من التواصل مع العالم الخارجي أو الالتحاق بجامعاتهم وأعمالهم أو العلاج في الخارج، ورهينة للمعابر الصهيونية في إدخال البضائع والسلع، دون أن يشفع لسكان القطاع كونهم عرب ومسلمين أو حتي "بني آدمين" دمرت منازلهم بعد حرب صهيونية عنيفة استمرت طوال 51 يوما.
هذا الحصار والذي لم يسبق له مثيل حتى أيام المخلوع مبارك، دفع حكومات وجهات دولية للتعبير عن إدنتها لغلق المعبر وللمطالبة بسرة فتحه، منعا لوقوع كارثة بالقطاع، حيث طالبت الحكومة البريطانية سلطات الانقلاب في مصر بإعادة فتح حدودها مع قطاع غزة.
وقالت البارونة جويس أنيلاي، التي تتقلد منصب وزيرة في مكتب الخارجية البريطانية، ردا على استجواب برلماني إن السماح بحركة المرور عبر الحدود من شأنه أن يحد من التأثيرات الإنسانية للحصار الإسرائيلي ، مضيفة:" نشعر بالقلق من إغلاق معبر رفح ، والتأثيرات المرتبطة بذلك، لا سيما تلك الحالات الطبية العاجلة، وغيرها من الحالات ذات الأولوية.. لقد طالبنا السلطات المصرية بتسهيل حركة المسافرين "الحقيقيين"، عبر رفح، ودراسة مد نطاق المعبر لنقل المسافرين والبضائع الإنسانية، بما يحد من الضغوط الاقتصادية".
تشديد الحصار دفع أيضا باللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في الاتحاد الأفريقي لقبول شكوى ضد مصر بشأن انتهاك سلطاتها التزاماتها الدولية وإغلاقها معبر رفح خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في يوليو 2014.
وجاءت الشكوى من قبل المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا والاتحاد العالمي للحريات والحقوق وتحالف دعم فلسطين ومنظمات أخرى، ووفق وثائق اللجنة الأفريقية وبيان من المنظمة العربية لحقوق الإنسان، فقد ركزت الشكوى على أن مصر أغلقت فعليا إبان العدوان على غزة معبر رفح رغم إعلانها "الخادع" عن فتحه، ولم تسمح إلا لعدد قليل من الجرحى والأفراد بالسفر عبر معبر رفح مقارنة بالآلاف من الجرحى والأفراد الذين منعوا.
تستند الشكوى أيضا إلى أن القاهرة لم تسمح بدخول الوفود الإغاثية والطبية والمستلزمات الطبية والغذائية رغم الحاجة الماسة لسكان القطاع لذلك، وبيّنت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن اللجنة الأفريقية بحثت الشكوى في دورتها السابعة عشرة المنعقدة في جامبيا في الفترة من 19 إلى 28 فبراير الماضي ووجدت أن مصر خرقت التزاماتها بموجب الدستور الأفريقي وطالبت بمزيد من الأدلة خلال ستين يوما وتم تزويد اللجنة بعشرات الإفادات من جرحى وأفراد منعوا من السفر عبر معبر رفح.
وأكدت المنظمة أنه وبعد انضمام دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية بات الباب مفتوحا لتقديم ملف الحصار من الجانب المصري لقطاع غزة للمحكمة باعتباره جريمة حرب وخرقا جسيما لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وفق نص المادة الثامنة من اتفاقية روما لعام 1998.
وقال رئيس المنظمة محمد جميل إنه "لا يمكن السكوت عن نظام يعين الاحتلال على خنق قطاع غزة، فمعاناة السكان وصلت حدا خطيرا يوجب معه ممارسة مزيد من الضغوط على النظام المصري لفتح معبر رفح بشكل دائم ، مشيرا إلى أن كل ما تروجه الأجهزة الأمنية وبعض وسائل الإعلام المصرية من أن قطاع غزة مصدر لزعزعة الأمن في سيناء ثبت كذبه، وأن تشديد الحصار على قطاع غزة من قبل النظام المصري له أجندات سياسية يصب بشكل مباشر في صالح إسرائيل". ولم يؤثر تشديد الحصار على صورة مصر عالميا فحسب، بل أثر سلبًا على دورها التقليدي كوسيط بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة"حماس" ، الأمر الذي أكده "عاموس هرئيل" المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" ، بقوله: إن إسرائيل لا يمكن أن تعتمد على مصر كـ"وسيط" مع حركة حماس التي يكن لها النظام المصري كراهية غير مسبوقة، مشيرا إلى أن الحصار الذي تفرضه القاهرة على القطاع قد ينسف الهدنة بين تل أبيب والفلسطينيين وهو ما يخشاه الطرف الإسرائيلي.