بقلم: أحمد القاعود
 
تختصر جنازة فريد إسماعيل المشهد، إذ لا صورة مزيفة ولا جماهير مصنوعة، كتلك التي شحنت في الـ30 من يونيو تحت حماية رصاص الدولة العميقة، وبتضليل وسائل الدعاية السوداء.
 
يخرج عشرات الآلاف وهم يعرفون أن صاحب الجنازة، الذي حرمته دولة القتل والكراهية حقه الأساسي في العلاج وهو أحد معتقلي الحرية، يعرفون أن تشييعه أشبه بمغامرة، في أجواء مشحونة بفاشية مقيتة وغياب مطلق للعقل والضمير، ويجعلهم عرضة لاستهداف قوات النظام الذي يصور ليل نهار أنه مدعوم شعبيا، بينما يخرج الشعب في جنازة أحد أعدائه.
 
تواصل سلطة 30 يونيو الإرهابية في مصر، الغرق في مسنتقع الانحطاط الإنساني، فلم يعد يكفيها القتل بالرصاص على الأسرة، أو سحل الفتيات وارتكاب مجازر مروعة بحق الأهالي لخطفهن، حيث يتم إيداعهن سجون النظام، وتعريضهن لعمليات تعذيب وحشي، نفسي ومادي، يصل في بعض الحالات للاغتصاب، فالأمر يصل لمنع العلاج والعرض على الأطباء، حتى يتمكن النظام من إتمام عمليات الاغتيال بعيدًا عن أعين الناس والضمير الإنساني.
 
وفي سجون عبدالفتاح السيسي لا كرامة لإنسان، ولا اعتراف بإنسانية، فالقابع في كرسي الرئاسة قسرا، يعتقد أن نجوم الحرية وتيجان الرءوس في معتقلاته، مجرد أرقام، وبينما تسن الأقلام لوضع هؤلاء في متن التاريخ الذي سيدرس مستقبلا، بأحرف من نور، تسن الأقلام أيضا لإخراج السيسي وعصابته، إلى الهامش، ومنها إلى مكب نفايات التاريخ.
 
الصورة الحقيقية فى جنازة فريد اسماعيل، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها سلطة يونيو بأنها جماعة ارهابية، تؤكد أن النظام يعيش الانفصام، وتبعث برسالة لأولئك المتبنين لخطابه وأكاذيبه الفجة، بأن زمن الكذب قد ولى، فمن يصنف كقيادي بجماعة إرهابية، يخرج عشرات الآلاف من البسطاء لتشييعه إلى مثواه الأخير.
 
وإزاء هذه الصورة الفاضحة لكذب وزيف السلطة، يأتي تسريبان الأسبوع الماضي، لينضما إلى غيرهم من تسريبات تكشف المؤامرة، وتؤكد للقاصي والداني حجمها، ولا تترك الباب لإنسان كي يساوره الشك في انحطاط المشاركين في السطو على ثورة يناير، ومدى خيانتهم وعمالتهم ضد أبناء الشعب المصري.
 
يؤكد التسريب الأول أن النخبة المصرية وعلى رأسها قادة الأحزاب ونجوم الإعلام، كانوا على علم بالمؤامرة منذ وقوعها، بعد خلع حسني مبارك، ويكشف التسجيل المسرب لرئيس حزب الوفد السيد البدوي، أن النظام الساقط كان عازم النية على الإطاحة بمكتسبات الثورة، وسرقة إرادة الجمهور، ويكشف أيضا عن صمت هذه الشخصيات على الخيانة، وممارستهم دورًا فيها سيؤدي إلى محاكمتهم في يوم من الأيام.
 
تظهر التسجيلات أن المؤامرة قديمة ومرتب لها، فلا سماح لمصري بالاختيار الحر، ولا طريق سهل أمام عملية محاسبة، أو نهضة وبناء.
 
هذه التسجيلات التي تكشف قبح أطرافها وإجرامهم، لم تكن كافية حتى تخرج تلك الأصوات الزاعقة منذ زمن ولى، بـ"يسقط كل من خان" مغازلة منهم لنظام القتل والكراهية؛ لأن من خان في نظرهم هم الإخوان، حتى يخرجوا ويعلنوا أنهم كانوا ضحية لخديعة كبرى، ومؤامرة توجب اعتذارهم للشعب المصري، على ما أجرموا في حقه وفي حق ثورته.
 
ينسف التسريب الثاني، القضية التي يحاكم فيها الرئيس محمد مرسي، والمعروفة بقضية الهروب من سجن وادي النطرون، فيقول رئيس أركان الجيش الأسبق، ونائب رئيس المجلس العسكري بعد ثورة يناير، سامي عنان في شهادته أمام المحكمة، أنه لم يعرف بدخول عناصر من حماس وحزب الله إلى مصر في أثناء الثورة، لاقتحام السجون وتحرير قيادات جماعة الاخوان من السجون، وكان وقتها محمد مرسي فى السجن.
 
سجن مرسي لأيام مع انطلاق ثورة يناير باعتباره عضوا بمكتب ارشاد جماعة الإخوان المسلمين، وأحد رموز ثورة يناير، جاء بعد اختطافه لأيام، من قبل مليشيات نظام مبارك، لم يدخل السجن بأوراق ولم يخرج منه بأوراق، وخطفه وقتها يعد شرفا لأي ثائر تم اعتقاله لدوره في الثورة مثل العشرات ممن ألقي القبض عليهم وأفرج عنهم فيما بعد.
 
كل ما يحدث على أرض مصر يعري 30 يونيو ومن شاركوا فيها أخلاقيا وضميريا، فالأيام تجود دون انقطاع، بما يثبت أنها صناعة استخباراتية أمريكية صهيونية للسيطرة على الدولة الأضخم فى العالم العربي، وتقول كل الدلائل إن الغرب والاحتلال الإسرائيلي لم يكونوا ليسمحوا بأن تكون مصر في يوم من الأيام، دولة قادرة على إنتاج غذائها ودوائها وسلاحها، كما ردد دوما الرئيس محمد مرسي، وتؤكد كل الدلائل أيضا أن دولة الاحتلال لم تكن لترتضى بحاكم لمصر سوى بمثل عبد الفتاح السيسي، الذي يقدم لها خدمات تجاوزت ما قدمه مبارك بمراحل، قد يكون أحد هذه الخدمات وكما هو مرسوم، تسليم سيناء على طبق من فضة ليضمها الكيان بحجة مكافحة الإرهاب الذي صنعه السيسي هناك ولم يعد قادرًا على كبح جماحه الآن.