نعم إنها مسرحية، من فصول متتابعة، آخرها فصل المناظرة، وسبقها فصل "خلع الحجاب"، وأولها، فصل: إسقاط رمزية مشايخ السلفيين..
ولا يزال العرض مستمرا والنهاية غامضة .
وطبعا هي مسرحية هادفة، وأهدافها لا تنفك عن ثلاثة/
1- استغلال الأقوال الكفرية لتمرير ما دون الكفر..
شخص أخرق متهور مندفع، يلقي بأقوال صادمة جارحة كفرية ناقضة للدين، يتركونه قليلا، حتى تنتشر أفكاره وأقواله، وتتحول إلى عناوين لأخبار لا تنتهي، ثم فجأة يهاجمونه ويضيقون عليه، ليتحول إلى "نجم"..
ثم تأتي المناظرة المفحمة التي ينهزم فيها "النجم"، ويبدو فيها الإعلام والانقلاب والأذناب، ضد التجاوز في حق الدين، بينما تمر عشرات الأقوال والاتهامات والافتراءات التي يلقي بها آخرون بدرجة أقل من الصخب، ودون أن يهتم أحد بالرد عليها، إذ تنحصر الردود هنا في الأقوال الصادمة، أو في الشخصيات المتهورة.
إذ يظهر الإعلام وتبدو الدولة وكأنهم يدافعون عن الإسلام ولا يحاربونه، بل يخرج السيسي نفسه ليقول أنه لا يقبل التجاوز في هذا السياق.
هاهنا تلاعب خطير في الإدراك.
لاحظ إذن... المرفوض – مسرحيا- هو ما يطلقون هم عليه تجاوزا ويصطفون لمواجهته، وهو ما يتعلق بسب الأئمة والبخاري والدعوة لإسقاط ثوابت كثيرة دفعة واحدة،
وهذا تغييب للإدراك الجمعي عن التجاوزات الحقيقية الأكثر خطرا وتأثيرا، وانتشارا وتدرجا، مثل تغيير المناهج، وتدمير خطبة الجمعة، وتقليص دور المساجد، وزيادة مستوى الفحش والانحراف في وسائل الإعلام، وتحويل المرأة المصرية إلى "مخلوق راقص"، وارتفاع نبرة الهجوم على الدين بصفة عامة، وتقليص المحتوى العلمي في المناهج الشرعية لكليات الأزهر ..إلخ
2- تلميع شيوخ الفضائيات الجدد.
مع إقصاء شيوخ الفضائيات السلفيين، كان لابد من إبراز نخبة أخرى تقدم أفكارا وتصورات مغايرة، وتمنع عودة الشيوخ القدامى لمكانتهم، وتعيد صياغة الأطر المرجعية للمجتمع بصورة مختلفة تماما.
لتسهيل هذه المهمة، نجدهم على سبيل المثال، يصرون على بقاء قناة الناس بنفس اسمها وشعارها، مع تغيير مشايخها.
كما أنهم يختلقون معركة وهمية للدفاع عن الدين، ثم يقذفون إليها بمن يريدون تلميعه، ويقوم البحيري هنا بدور "مشعل الحرب" الذي يلقي بالأفكار الصادمة، إلى أن يتصدى له "حراس الدين الجدد"..
وفي سياق غير مفهوم، يظهر البحيري مع اثنين من المشاهير - الذين هم أعلم منه لا شك- مع أن الطبيعي أن الواحد يناظره واحد، والاثنان يناظرهما اثنان وهكذا... فلماذا رضي البحيري أن يواجه شخصين دفعة واحدة؟..
السبب هو الرغبة في إبراز النجوم الجدد في سياق معين وإحلالهم كبديل للمرجعية السلفية التي اعتادها المصريون سنوات طويلة.
وهذا أسلوب إعلامي معروف لتمرير الرموز المختلف عليهم، وذلك بأن يُدفع بهم لتأييد موقف شعبي متفق عليه من قضية ما، فتتسع شعبيتهم بقدر التوافق الشعبي على الموقف الذي يدعمونه في مناظرتهم.
كما أن وضعهم في سياق "الدفاع عن الدين" يدحض لاحقا أي اتهام لهم بـــــ" تضييع الدين" أو "تمييعه".
وبالمقارنة مع النخبة السلفية القديمة، نجد أنهم ينزلقون إلى بحر النسيان، كما يتسلمهم "الواد الحسيني" واحدا في إثر الآخر بالسب والسخرية، وبرهامي وُضِع سابقا في سياق "اللاهث" وراء تصريح خطابة، وفي أوقات فراغه يكتب فتاوى عن تحريم شم النسيم والإخوان والتكفير والتفجير، وحسين يعقوب رُفِعت ضده دعوى قضائية تتعلق بحادثة من عام 2014م ..
3- تدشين الطريق السريع بين الإسلام وبين الكفر أو الإلحاد أو البدع ..إلخ
معيار نجاح حملات مثل" خلع الحجاب" ليس كما يظن البعض: عدد من يستجيبون لدعوة المليونية، أو عدد من يخلعن الحجاب أمام الكاميرات.. فهم يعرفون جيدا أنه لن يخرج أحد..
الهدف الرئيس هو تدشين طرق متعددة للخروج من الدين أو من التدين، مع تأمين هذه الطرق وجعلها مقبولة في أوساط المجتمع، بحيث لا يكون الملحد أو الفاسق أو المنخلع من تدينه محل نقد مجتمعي، بل يسلكون هذه الطرق- بعيدا عن الدين- بمنتهى الأريحية والاطمئنان دون خشية التعرض لضغوط.
لذلك نجد السيسي يتحدث كثيرا عن الحرية وأنه لا مجال لإجبار الناس على التدين أو الالتزام بالدين، فهذا أمر متروك لهم.
إنه باختصار "حفر للدين على الناشف"..