بقلم : أحمد فهمي
أبرز سلبيات وسائل الإعلام الرافضة للانقلاب، وتحديدا الفضائيات، أنها تفترض وجود قواسم مشتركة مع الجمهور المصري الذي تخاطبه، فتقدم خطابا يقف في نقطة على طريق الوعي لم يبلغها أغلب الناس بعد، وبالتالي تضيع صيحاتهم في الهواء.
المشكلة تتعلق بالإدراك..
قبل أن تصيغ خطابا إعلاميا لابد أن يكون لديك تصور واضح لإدراك الجمهور بخصوص القضايا التي تخاطبه بشأنها.
ثم تكون الصياغة الإعلامية متوافقة مع هذا الإدراك الشعبي.
قبل عقود، عُرِف خبير العلاقات العامة الأمريكي "إدوارد بيرنيز" بأنه شديد البراعة في مخاطبة الجمهور بحسب تصوراتهم الإدراكية، فنجح في تمرير أفكار ومنتجات كثيرة كانوا يرفضونها من قبل..
من أمثلة ذلك، أن كبرى شركات التبغ الأمريكية كانت محرومة من أرباح هائلة بسبب عزوف النساء الأمريكيات عن التدخين، فطلبوا من بيرنيز أن يتدخل لمعالجة هذه المعضلة.
قام بيرنيز بدراسة قناعات الجمهور - النساء- فوجد أنهن ينظرن إلى التدخين بوصفه رمزا ذكوريا، ينتقص من مظهر المرأة التي تمارسه..
خطط بيرنيز لخدعة ماكرة، فاستأجر بعض عارضات الأياء وجعلهن يرتدين ثيابا عصرية، ثم تظاهرن في "فيفث أفنيو " في مدينة نيويورك في محاكاة لتظاهرات النساء المطالبات بالحقوق السياسية ذلك الوقت، ودفع بمراسلي الصحف لتغطية وقفتهن، ثم أخرجت النساء سجائرهن ووقفن يدخن أمام الصحفيين باعتبار أن السجائر بمثابة "مشاعل الحرية"..
لقيت التظاهرة صدى واسعا، وانتشرت صورها، وأحدثت ضجة إعلامية، نتج عنها انزلاق النساء إلى التدخين - الذي بات مسلكا جذابا- بأعداد هائلة في فترة قصيرة..
المغزى هنا ليس ممارسة الخداع، بل إجادة التعامل مع الإدراك..
في حرب تحرير الكويت، وَظَّف البنتاجون خبيرا في الدعاية اسمه "جون دبليو ريندون" من أجل تقديم صورة مزركشة لطيفة للحرب انطلاقا من تصورات الجماهير ومشاعرها، وكان ريندون يصف نفسه بأنه يعمل "مديرا للفهم والإدراك"..
فلنفهم الجمهور أولا، ونضع أيدينا على قناعاته، ونتعرف على أفكاره ومشاعره، ثم نصيغ خطابا إعلاميا ينطلق من هذه النقطة- ويوظفها- وليس من نقطة افتراضية متخيلة..