بقلم: أحمد القاعود
بعد أيام معدودة فقط من تلك الجريمة البشعة ضد الإنسانية، عندما قتل مجموعة من الأفراد متجردين من مشاعرهم، بقتل كلب بصورة مأساوية، أصدر القضاء حكمه العادل بحبس المتهمين ومن ضمنهم صاحب الكلب، الذى غدر به، ثلاث سنوات.
هذا الحكم أثلج صدور المصريين الذين انتفضوا للدفاع عن الإنسانية والرحمة والضمير، وكان منهم نجوم فضائيات وكتاب وقطاع واسع من مؤيدي 30 يونيو.
هذه المقدمة التى ربما قد تكون مقبولة فى مجتمع وصل مستويات غير مسبوقة من الترف، والرفاهية الإنسانية، المعكوسة بالضرورة على مشاعر أفراده، إذ أن حادثة قتل الكلب البشعة، تلاها حادثة أخرى لقتل كلب أيضا، برصاص مليشيات مسلحة يروج فى وسائل الدعاية التابعة للنظام أنها قوات شرطة تقوم بواجبها.
لكن الكلب الثاني لم يكن صاحب حظوة كالكلب الأول، حتى تجيش له الفضائيات، وتفرد له الصحف المساحات، لنعيه ورثائه والبكاء على إنسانية مفقودة ورحمة غائبة، فالكلب الثاني ينتمي للشعب الثاني، أما الكلب الأول ينتمي للشعب الأول، والفرق بين الكلبين يتناغم مع طبيعة المرحلة، التى تمثلت فى أغنية شهيرة لدعم الانقلاب، كانت أبرز عباراتها: "أنتو شعب وإحنا شعب، ليكوا رب ولينا رب".
هذه المقارنة التى ربما تكون عبثية، تعد مثالا لفترة تحياها مصر قسرا، تحت حكم قوى وتيارات رددت كثيرا أنها تقدمية وصاحبة مشروع، إنساني ضد مشروع الإسلاميين، أو بالأحرى المسلمين، غير الإنساني.
وخلال رحلة الانقلاب العسكري، التى بدأت مبكرا فى عهد الرئيس محمد مرسي، شهدت مصر أفعالا لا تندرج إلا تحت جرائم ضد الإنسانية، بتأييد ومباركة هذه القوى والتيارات الفكرية والسياسية.
هذه الرحلة الطويلة التى بدأها التيار الشعبي وحزب الدستور والناصريين والاشتراكيين الثوريين، منذ الإعلان الدستوري الثوري الذي أصدره مرسي لتحصين جمعية دستورية يتربص بها، وعزل نائب عام طالما طالب الثوار بمحاكمته، احتوت على العديد من الصور والمأسي والانتهاكات المروعة بحق المصريين، كان أشدها وحشية فض اعتصامي رابعة والنهضة، بالرصاص الحي، وسط تهليل وتصفيق، مَن أثارهم قتل كلب الأهرام، ومن نظموا مظاهرة لرثائه والمطالبة بالقصاص له.
وفى زمن 30 يونيو، وعهدها الكئيب، اختلت المعايير وانحرفت القيم، وأصبح الموالون أكثر بعدا عن أي قيمه انسانية، وبات الضمير بالنسبة اليهم منقلبا تماما، كالانقلاب الوحشي الذى يناصرونه، فالدفاع عن كلب قتل بطريقة وحشية، أولى من الدفاع عن إنسان قتل بنفس الطريقة، والتبرع السخي لتأييد إعدام مواطن برئ، كان ضحية لوسائل إعلام ودعاية إرهابية، فى حادثة اعتداء عدد من البلطجية على مظاهرات رافضة للانقلاب، بات نضالا بالنسبة لهؤلاء ومنهم من يدعى الثقافة والتقدمية، وهي فى الحقيقة رجعية، تعود بالإنسان عصورا بدائية أولى.
وليست صورة تختصر وحشية 30 يونيو أكثر من تلك المتداولة قبل أيام لمحافظ القاهرة، السائر فى حاشيته مبتسما، وبجوارهم رجل مشرد نائم على الرصيف، دون أن يكترث له المحافظ أو أحد أفراد الحاشية، وليس أقبح منها سوى صورة المواطن الذى أقدم على الانتحار حتى يتمكن من مقابلة محافظ أسيوط، ثم جيئ به نائما على الأرض فى مكتب المحافظ، لتنظر له الأعين وكأنه حيوان ذليل طالب الرحمة والرضا من السلطة.
خلال ما يقارب العامين ومصر تغرق فى مستقبل مظلم، الأكثر عتمة فيه هو غياب الضمير والعمل الدؤوب على تغييبه، إذ لم يكن يتصور فى يوم من الأيام أن تنقلب أولويات البشر، لتأييد عمليات قتل وذبح جماعى دون أي سند من ضمير أو منطق، إلا التأييد لسلطة وحشية لم تأتي إلا بالخراب، ولم يكن يدور فى الحسبان أن يطرب قطاع ليس بالقليل من المصريين بقتل أطفال فلسطين فى غزة باعتبارهم إرهابيين يستحقون الموت، إلا لأن السلطة قالت لهم هذا.
هذا الواقع المرير يدفعنا دفعا لتقديم العزاء لمجتمع الكلاب الذى انتمي له كلب الشهيد سيد شعرواي، الذي قضي برصاص الأمن بمنطقة ناهيا، فى انتظار القصاص له من قاتليه، أما الشهيد سيد نفسه فقصاصه من جلاديه عند ربه يوم يقوم الأشهاد، اذ أن القصاص فى مصر حاليا يتصدره القصاص للكلاب، ووفقا للمرحلة هناك فرق بين كلب وآخر.