بقلم :أحمد فهمي

.. متلازمة كفر البطيخ..
عبد الناصر هو مؤسس الثقافة العسكرية في مصر، بصورتها المعاصرة، فهو الذي وضع مبادئها وصاغ أفكارها، وهو الذي حدد أطر العلاقة بين الجيش والسلطة، كما أنه ابتكر أنماطا متعددة لقيادة الجماهير أو التلاعب بهم.
يسير الحكام في مصر - إلى وقتنا هذا - على الكتالوج الناصري دون تجديد أو تبديل، وبالأخص في علاقتهم بالإعلام.
فعلى سبيل المثال، عندما نقارن أسلوب السيسي في محاولاته الاختزالية التعبيرية التي يستخدم فيها جملا غريبة مثل: (مسافة السكة.. مصر قد الدنيا.. ) مع تحويلها عن طريق الإعلام إلى شعارات، مع أسلوب عبد الناصر، سنجد بينهما تطابقا واضحا..
عندما اعتزم عبد الناصر تأميم الصحف القليلة التي بقيت حتى مطلع الستينيات، اجتمع مع رؤساء تحريرها وملاكها، وكان لقاءا ساخنا..
انتقد عبد الناصر بشدة أداء هذه الصحف، من وجهة اجتماعية بعيدة عن السياسة، وأعلن رفضه للطريقة التي تُعرض بها المرأة المصرية في الإعلام، الذي كان يركز على المرأة الأرستقراطية ومشكلاتها، فقال محتدا:" مصر ليست النساء المطلقات في نادي الجزيرة، مصر هي كفر البطيخ"..
من الواضح أن التشبيه صدر منه بصورة تلقائية، ليبدو ساذجا من حيث اختزاله مصر برجالها ونسائها في قرية صغيرة- في ذلك الوقت- واسمها غريب بعض الشيء..
في اليوم التالي مباشرة، تحولت عبارة عبد الناصر إلى "شعار" ظل يردد لأسابيع تالية، فنشرت الصحف مقالات عن مصر التي تحولت إلى "كفر البطيخ"، وأجرت تحقيقات موسعة عن القرية التي دخلت التاريخ بسبب عبارة عفوية للزعيم، كما ألف الكاتب المسرحي الشهير "سعد الدين وهبة"، مسرحية بعنوان "كفر البطيخ" ..
هل تغير شيء بعد كل هذه السنوات؟..
كلا..
صحف الأمس كلها تتحدث عن السيسي الذي لا يخشى مصير السادات، ولا يخاف من الموت لأن "محدش هيموت قبل أوانه"..
العقلية هي هي ، والثقافة هي هي ..
ومصر لا تزال " معسكر كفر البطيخ"..
مع الاحترام والتقدير لأهالي كفر البطيخ – محافظة دمياط