بقلم : الكاتب والمحلل السيسي "أحمد فهمي "
تنظيم داعش، ليس "سوبر تنظيم"..
بالعكس، فالمعطيات العسكرية في العراق وسوريا، تؤشر إلى انتهاء مرحلة التمدد والبدء في مرحلة الانكماش، والتي قد تنتهي بتكرار عملية التحول – عكسيا- من حالة الدولة إلى حالة التنظيم.
إلى الآن لم تواجه أمريكا التنظيم ولا بواحد من مائة من القوة العسكرية التي واجهت بها صدام حسين في الحربين، مع أن التهديد الذي يمثله تنظيم داعش يفوق كثيرا تهديد صدام، والأسباب الحقيقية مجهولة، لكن التفسيرات كثيرة.
لا يمكن لأي تنظيم أن يؤمن هياكله من الاختراق بينما يمد أذرعه في مناطق تبعد عنه آلاف الأميال، فهذا التمدد الجغرافي يفتح المجال واسعا لتعدد نقاط الدخول إلى التنظيم والخروج منه، خاصة وأنه يعتمد بصفة أساسية على العناصر الجديدة الوافدة، مع التقلص المستمر لفترات التدريب – والتأهيل-كنتيجة مباشرة لاتساع نطاق المواجهات وتعدد الجبهات.
توجد شعرة دقيقة تفصل ما بين تفسير أداء داعش مع المختطفين – حرقا وذبحا- بوصفه استراتيجية تخويف وتهديد، وبين وصفه بأنه استراتيجية استعداء، والاستراتيجيتان متناقضتان تماما، فالتخويف يستهدف إبعاد التدخلات، بينما الاستعداء يستهدف جلبها.
المؤشرات حتى الآن تدعم الثانية، فالتنظيم يعتمد بصفة أساسية على "استراتيجية الاستقطاب" عن طريق سحب المسلمين إلى مواجهات مباشرة وغير مباشرة مع القوى الغربية، ووضعهم في حرج شرعي – ثنائية معنا وضدنا- وصولا إلى الحد الأدنى المستهدف وهو حالة: نخالفهم لكن نرفض حربهم.
فضلا عن أن الركن الرئيس في حياة التنظيم – وهذا يشمل كل الحركات الجهادية- هو استمرار عملية التجنيد، واستمرار التجنيد يحتاج إلى تقديم إنجازات، وحاليا يمكن رصد 3 أبعاد للإنجازات يقدمها التنظيم لمؤيديه والمتعاطفين معه/
1- تقديم المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بوصفها نموذجا للدولة وللحكم الإسلامي.
2- التقدم العسكري على عدد من الجبهات، وهذا البعد تقلصت نتائجه مؤخرا.
3- إثبات النكاية في الأعداء والخصوم عن طريق إخراج مشاهد القتل الدرامية، والتي عادة ما يتم ربطها – مؤخرا- بهدف يدغدغ المشاعر، مثل: ساجدة الريشاوي في الأردن، أو زوجات الرهبان المسلمات في مصر .
الأمر الذي يجب التفكر فيه جيدا، هو أن تنظيم داعش، رغم كل المعارك التي يخوضها، لا يقدم فائدة حقيقية للأمة، فهو لم يدفع بلاءً وإنما استجلبه، ولم يجلب مصلحة وإنما أهدرها، فضلا عن الكم الهائل من التساؤلات التي يطرحها إصراره على التقاطع مع مصالح الغرب وأهدافهم في بلاد المسلمين.
لقد أصبح التنظيم كشركة تعمل في مجال "تسويق التدخلات العسكرية" في الدول العربية، وإجهاض ما تبقى من حراك ثوري أو جهادي حقيقي، كما يحدث في سوريا.
الدور الذي يقوم به داعش، هو نفسه الدور الذي تحتاجه استراتيجية أوباما الخارجية التي تقلص الفعل العسكري المباشر.
إن هو إلا تنظيم يخوض معاركه برؤية لم يشرك معه أحدا في وضعها، ثم يدعو الجميع لتحمل نتائجها وتداعياتها.