بقلم د/ محمد عبد رب النبى 

إن الإخلاص والصدق له سرّ عجيب في هذه الدنيا وفي الآخرة، إياكم أن تتعاملوا مع الله إلا بالصدق والإخلاص، إياكم أن تتعاملوا بالمكر والدهاء، إياكم أن تعجبكم أنفسكم فتقولوا: إنما أوتيته على علم عندي.
إياكم أن يوسوس لكم الشيطان فينفخ في عروقكم الغرور وحب الظهور، أو إيذاء المسلمين، فأنت تتعامل مع رب العالمين، وهذا الذي يقابلك – العبد الضعيف – إنما يدافع عنه الله: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب))، فهل تستطيع مبارزة رب العالمين في ميدان مكشوف، ومعركة حامية الوطيس؟ إن الذي تقابله لن تستطيع ضرّه. وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط [آل عمران:120]. لن يضروكم إلا أذىً وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون [آل عمران:111].
أيها الإخوة: إن كنت داعية فاصدق الله، وإن كنت كاتباً فاصدق الله، وإن كنت حارساً فاصدق الله، وإن كنت مجاهداً فاصدق الله، وإن كنت موظفاً فاصدق الله.
إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً [النساء:40].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.. 
التحذير من الدين 
1- حرمة المسلم في دينه وعرضه وماله 2- التحذير من عاقبة الغلول 3- تحذير رسول الله من الدّيْن بامتناعه عن الصلاة على المَدين 4- أمر المدين بحُسن الأداء 5- قصة في وفاء الدّين 6- قصة أصحاب الغار 7- آداب للدّين 8- فضيلة التجاوز عن المُعسر 9- تفضيل بعض أهل العلم القرض على الصدقة
أما بعد:
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا – عباد الله – من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، واعلموا أنكم يوم الحشر مجموعون، وبين يدي الله – عز وجل – موقوفون وعن كل كبيرة وصغيرة مسؤولون.
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً [الكهف:30].
معشر المسلمين: يقول الله – عز وجل -: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة:188].
إن كثيرا من الناس عظم بطنه، ونبت لحمه، بمال غيره، أكلها بالباطل.
إن استدان دينا جحده، وإن استقرض قرضا تظاهر أنه نسيه، فسبحان ربي!. كيف يهنأ بالطعام والشراب والمنام، من ذمته مشغولة.
عباد الله: يقول النبي – -: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم.
وفي الصحيحين عن أبي بكرة – -: أن النبي – – قال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم))
اتقوا الله – عباد الله – وأدوا ما في ذممكم من مال، ولو كان اقل من ريال ولو ثمن خبزة أو بيضة أو أقل من ذلك. فإن ميزان الله – عز وجل – يحصي مثاقيل الذر. وليس ثمت دينار ولا درهم. إنما هي الحسنات والسيئات وحقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة فقط، بل لابد من ردها إلى أهلها.
وأنت مسؤول عن صغيرها وكبيرها وقليلها وكثيرها، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، ولو كان يسيرا، قال – -: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) رواه البخاري
ولا تنتظر ممن أقرضك ماله أن يأتيك فيسألك حقه، فلربما منعه الحياء، أو وكل أمرك إلى الله – عز وجل -.
نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
وبعض الناس يتقال الذي في ذمته، ثم لا يؤديه، ولا يستسمح صاحبه، وهذا خطأ عظيم. 
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: كان على ثقل رسول الله – – رجل يقال له (كركرة ) يعنى مولى لرسول الله – – فمات، فقال رسول الله – -: ((هو في النار))، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها.
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: حدثني عمر قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا :فلان شهيد. فقال رسول الله : ((كلا إني رأيته في النار في بردة غلها، أو في عباءة غلها)) رواه مسلم
وعن أبي هريرة – – قال: خرجنا مع رسول الله إلى خيبر ،ففتح الله علينا ..قال: فلما نزلنا الوادي قام غلام – رسول الله – – يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا: هنيئا له قال رسول الله – -: ((كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم، لم تصبها المقاسم، قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال: أصبت يوم خيبر فقال رسول الله – – شراك من نار، أو شراكان من نار)) متفق عليه 
وعن زيد بن خالد- – أن رجلا من أصحاب النبي – – توفي يوم خيبر فذكروا لرسول الله – – فقال: ((صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرز من خرز يهود لا يساوي درهمين)) رواه أحمد وغيره.
وفي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – إن النبي – – قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا))، فإذا كان الله – عز وجل – قطع عضوا من أهم الأعضاء عند الإنسان في ربع دينار فكيف يأمن الإنسان على نفسه وعقوبة الدين الذي في ذمته وإن قل.
فالدين أمره عظيم وخطره جسيم، يقول النبي يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدًين)) رواه مسلم
فإذا كان الدين لا يغفره الله لمن قتل في سبيله فكيف بمن هو دون ذلك وفي حديث أبي قتادة أن رجلا قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله – -: ((نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين)) رواه مسلم
وعن محمد بن جحش – – قال: كنا جلوسا عند رسول الله – – فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: ((سبحان الله! ماذا نزل من التشديد؟ فسكتنا وفزعنا. فلما كان من العد سألته: يا رسول الله! ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: والذي نفسي بيده، لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي، ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه)) رواه احمد
وقد امتنع رسول الله من الصلاة على من مات وعليه دين، كما روى سلمة بن الأكوع – – قال: كنا جلوسا عند النبي – – إذا أتي بجنازة، فقالوا: يا رسول الله صلي عليها، قال: ((هل ترك شيئا؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل عليه دين؟)) قالوا: ثلاثة دنانير. قال: ((صلوا على صاحبكم)) قال أبو قتادة: صلي عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه)) رواه البخاري
وفي رواية الحاكم في حديث جابر: فجعل رسول الله إذا لقي أبا قتادة يقول: ((ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك أن قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: الآن حين بردت عليه جلده)).
قال ابن حجر: وفي هذا الحديث أشعار لصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة.
وفي المسند أن النبي – – قال: ((إن صاحبكم محبوس عن الجنة بدينه)) وعن أبي هريرة – – أن النبي – – قال: ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه))
ومن الأحاديث الدالة على خطورة الدين وشدته:
ما رواه أبو داود عن أبي موسى الأشعري – – عن رسول الله – – أنه قال: ((إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء)).
فهذه الأحاديث العظيمة القاطعة بعظم ذنب من مات وعليه دين كفيلة بردع كل قلب يشم رائحة الإيمان، ومحذرة كل التحذير أن يأخذ المسلم مال أخيه لا يريد أداءه، روى أبو هريرة – – أن النبي – – قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) 
وكيف تسمح للإنسان نفسه أن يجحد سلف أخيه، أو يماطله في ذلك، والمقرض فعل ذلك إحسانا وقربه، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان [الرحمن:60]. 
يقول النبي – -: ((إنما جزاء السلف الحمد والأداء)) رواه النسائي
وقال – -: ((خيار الناس أحسنهم قضاء)) متفق عليه 
وكان رسول الله – – يقضي الدائن بأكثر مما استدان منه، ويضاعف له الوفاء، ويدعو له، كما قال جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -: كان لي على النبي – – دين، فقضاني وزادني
وقال عبد الله بن أبي ربيعة: استقرض مني النبي – – أربعين ألفا، فجاءه مال، فدفعه إلي، وقال: ((بارك الله تعالى في أهلك ومالك)) رواه النسائي