المصدر : إخوان ويكي

بحث قُدم إلى المؤتمر الدولي للجمعية الفلسفية المصرية في الفترة من (16- 18 - 2006)

إعداد: د. جمال فتحي نصار .. دكتوراة في الفلسفة الإسلامية – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يستطيع باحث أو دارس منصف لفكرة "الوطن والوطنية " أن ينسى أو يتناسى جهود الإمام حسن البنا في هذا المضمار ، فقد اتضح مفهوم الوطن والوطنية لديه من خلال النظرة الموسوعية لهذا المفهوم ، واعتبار أن الوطن والوطنية جزء لا يتجزأ لفهم المسلم لإسلامه وتجرده وحبه له ، وأن هذا أصل مهم في عقيدة الإخوان المسلمين .

ولم يفهم الكثير من المسلمين هذا المعنى ، حتى إن الأكثرية المطلقة من المسلمين باتت تفهم أن الإسلام هو الشهادتان ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج فقط .

ففي مواجهة المضمون الغربي، الضيق لكل من "الوطنية" و"القومية" .. والذي وجد له دعاة وأحزابًا تخندق بعضها عند "الوطنية الإقليمية" .. وتخندق بعضها الآخر عند "القومية العنصرية" .. وافتعل آخرون – كرد فعل – التناقضات بين الإسلام وبين الوطنية والقومية .. في مواجهة هذا الغلو ، رأينا الأستاذ البنا يبعث – بالتجديد – المنهج الإسلامي الذي يؤلف بين جميع دوائر الانتماء – الوطني .. والقومي .. والإسلامي .. والإنساني – فيسلكها جميعًا في سُلّم واحد .

والمتتبع لجهود الإمام البنا يلمس أنه يحب وطنه ، ويحرص على وحدته القومية بهذا الاعتبار ، ولا يجد غضاضة على أي إنسان أن يخلص لبلده ، وأن يفنى في سبيل قومه ، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عز وفخار .. كما يحترم قوميته الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود ، ولا يرى بأسًا أن يعمل كل إنسان لوطنه ، وأن يقدمه في العمل على سواه، ويؤيد الوحدة العربية ، باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض .

وفي أكثر من موضع يؤكد الإمام البنا على الجامعة الإسلامية، باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام كما يجعل فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجه.

ويعتقد أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لابد منها ، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات:

1- العمل على الوحدة الثقافية والفكرية والاقتصادية بين الشعوب الإسلامية كلها.
2- يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد.
3- يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية.
4- حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الإجماع على "الإمام" الذي هو واسطة العقد، ومجمع الشمل، ومهوى الأفئدة ، وظل الله في الأرض .

كما نادى الإمام البنا بالوحدة العالمية ، لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ، ومعنى قول الله تبارك وتعالى (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).

أما مصر، فإنها قطعة من أرض الإسلام ، وزعيمة أممه (رسالة إلى الشباب) .. وفي المقدمة من دول الإسلام وشعوبه (الإخوان المسلمون تحت راية القرآن) .. ونحن نرجو أن تقوم في مصر دولة مسلمة ، تحتضن الإسلام ، وتجمع كلمة العرب ، وتعمل لخيرهم ، وتحمي المسلمين في أكناف الأرض من عدوان كل ذي عدوان ، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته .. فالمصرية لها في دعوتنا مكانتها ومنزلتها وحقها في الكفاح والنضال .. ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله ..) (رسالة دعوتنا في طور جديد).

ومن ثم نجد أن الأستاذ البنا صاغ أهم النظريات السياسية والاجتماعية المعاصرة في تعدد وتكامل دوائر الانتماء – الوطنية .. والقومية .. والإسلامية .. والإنسانية - .. مع الإشارة إلى دور مصر – الرائد والقائد – في تحقيق هذه الوحدة المنشودة لأمة الإسلام.

فكل هذه الدوائر للانتماء هي درجات في سلم الانتماء الواحد ، يصعد عليها الإنسان المسلم – عقيدة أو حضارة – دونما تناقضات .. وبعبارة الأستاذ البنا: "فكل منها تشد أزر الأخرى ، وتحقق الغاية منها ، دونما تعارض بين هذه الوحدات بهذا الاعتبار ..

 

تمهيد: تعريف بشخصية الإمام البنا

يُعَدّ الإمام "حسن البنا" (1324هـ -1368هـ = 1906-1949) نموذجًا فريدًا للزعيم الروحي والمفكر الديني، والمصلح الاجتماعي، والقائد الجماهيري الذي يمكن أن تلتف حوله مختلف الطوائف والمستويات التي يجمعها اتجاه فكري واحد، وتربط بينها أيدلوجية مشتركة، فقد استطاع "حسن البنا" في سنوات قليلة أن يؤسس أكبر جماعة دينية شاملة في القرن العشرين بلغ أتباعها الملايين.

فقد كان الإمام "حسن البنا" مزيجًا متميزًا من الفكر السلفي والروحانية الصوفية، فقد كان تجسيدًا فريدًا للروحاني الصوفي، والعالم المسلم، والقائد الحركي الذي امتلك قدرة نادرة على تحريك الجماهير، من خلال ترجمة معاني الإسلام كما جاء به الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى منهاج حياة .

وقد تمتع الإمام البنا بصفات شخصية قلما تجتمع في إنسان واحد ، وقد أهلته هذه الصفات الشخصية والمواهب التي حباه الله بها لأن يصبح الداعية الأول في القرن العشرين، ومؤسسًا وقائدًا لأكبر حركة إسلامية (حركة الإخوان المسلمون) على مستوى العالم فقد حباه الله بإيمان قوي يتحمل الشدائد والمصائب فضلاً عن ذاكرة قوية تحتفظ بالمعلومات والأسماء بطريقة عجيبة وسرعة فائقة ، كما تمتع بسعة الأفق وقدرة على تحليل الأحداث واستخلاص النتائج التي قلما تخطئ ، فقد كان رحمه الله مستوعبًا لمتغيرات العصر الذي يعيشه فقيهًا في حركته ذا حكمة وذكاء ، زاهدًا في رغد العيش مع القدرة على الكسب ، متواضعاً في غير ذلة، معتزاً بدينه وبدعوته في غير غرور أو كبرياء ، يحب إخوانه ويألفهم ويألفونه.

وقد كان رحمه الله يقدم دعوته على غيرها من الأشياء ، فدعوته تسبق راحته وأولاده دون تقصير في حقهم ، فقد عاش بالدعوة وللدعوة ، وقد امتلأت روحه بالقوة والإرادة التي لا يفت فيها الضعف والعزيمة التي لا تفتر.

وكان رحمه الله رجل عقيدة متوكل على الله حق توكله فقد كان حسن الظن بربه حتى في أحلك الظروف والشدائد ، كان لديه يقين من الوصول إلى غايته فلم يستبد اليأس بقلبه أو مشاعره أبدًا.

وكان شديد الإيمان بالقضاء والقدر ، إيماناً ليس نظريًا بل عن يقين ومشاهدة ، وكما قيل من ذاق عرف ، وكان شاغله الشاغل كتاب ربه القرآن الكريم فقد أتقنه حفظاً وتلاوة وفهما وتدبراً وعملاً ، فضلا عن السنة المطهرة .

مؤلفاته

لا تُعرف للإمام حسن البنا كتبًا أو مؤلفات خاصة سوى عدد من الرسائل مجموعة ومطبوعة عدة طبعات بعنوان "رسائل الإمام الشهيد حسن البنا"، وهي تعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة. وله مذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية"، ولكنها لا تغطّي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942م، وله خلاف ذلك عدد كبير من المقالات والبحوث القصيرة، وجميعها منشورة في صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات والأربعينيات، بالإضافة إلى مجلة الفتح الإسلامية التي نشر بها أول مقالة له بعنوان "الدعوة إلى الله .
وقد بذل الأستاذ جمعة أمين ومجموعة من الباحثين جهدًا مشكورًا في جمع تراث الإمام الشهيد حسن البنا في عدة كتب ، صُنفت بشكل مميز .

تأسيس جماعة الإخوان المسلمين

لما استقر الإمام البنا به المقام بالإسماعيلية أثر في نفسه ما رآه من الاستعمار العسكري المتمثل في المعسكرات الإنجليزية بالقناة ، والاستعمار الاقتصادي المتمثل في شركة قناة السويس ، ثم ساءه أن يعرف أن المسلمين في البلد منقسمون بسبب خلافات دينية ، نتيجة تعصب كل فريق لرأي خاص ، وأخذ يزاول التدريس والدعوة ويتحرى الموضوع الذي يتحدث فيه ، دون أن يتعرض للنواحي الخلافية ، ويضرب لهم مثلا لتسامح علماء المسلمين في الصدر الأول رغم اختلافهم في المسائل التي تحتمل أوجه الخلاف .
وقد عمل الوعظ عمله في نفوس المتلقين ، فأخذوا يفيقون ويفكرون ، ثم تدرجوا من ذلك إلي سؤاله عما يجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم ، فأجابهم إجابات غير قاطعة جذبًا لانتباههم ، واسترعاء لقلوبهم ، وانتظارًا للفرصة السانحة ، وتهيئة للنفوس الجامحة .
وفي ذي القعدة سنة 1347هـ ، مارس سنة 1928م زار الأستاذ البنا أولئك الإخوة الستة : "حافظ عبد الحميد" ، و"أحمد الحصري" ، و"فؤاد إبراهيم" ، و"عبد الرحمن حسب الله"، و"إسماعيل عز" ، و"زكي المغربي" ، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كان يلقيها ، وجلسوا يتحدثون إليه ، وفي صوتهم قوة ، وفي عيونهم بريق ، وعلي وجوههم سنا الإيمان والعزم ، وقالوا ما هي الطريق العملية إلي عزة الإسلام وخير المسلمين؟!ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا ، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا ، وهذه الدراهم القليلة من قوت أبنائنا وكل الذي نريده أن نقدم لك ما نملك؛ لنبرأ من التبعية بين يدي الله ، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل .
كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفس الأستاذ البنا ، ولم يستطع أن يتنصل من هذه التبعية ، وقال في أثر عميق : (شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة ووفقنا إلي عمل صالح يرضي الله ، وينفع الناس ، وعلينا العمل ، وعلي الله النجاح ، فلنبايع الله علي أن نكون لدعوة الإسلام جندًا ، ففيها حياة الوطن وعزة الأمة) .
وكانت بيعة وكان قسمًا أن نحيا إخوانا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله .
وقال قائلهم : بم نسمي أنفسنا ؟ وهل نكون جمعية أو ناديًا أو طريقة أو نقابة ، حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فرد الأستاذ البنا قائلا : لا هذا ولا ذاك دعونا من الشكليات ، ومن الرسميات ، وليكن أول اجتماعنا وأساسه : الفكرة والمعنويات والعمليات . ونحن أخوة في خدمة الإسلام ، فنحن إذا (الإخوان المسلمين) ...
وهكذا غُرست البذرة الأولي لفكرة الإخوان المسلمين في أرض طيبة من هذه القلوب الستة ، آمنوا بها ، وعاهدوا الله علي الجهاد في سبيله ، فكانت تلك الثمار المباركة لوفائهم وإخلاصهم ، من نجاح الدعوة ، ومرشدها ، مصداقًا لقول الله تعالى : (ومَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).

ولبث الأستاذ البنا يعمل لدعوته صامتًا ، فكسبت دعوته – كل يوم- مزيدًا من الأنصار والجنود ، بفضل الله ثم إخلاصه العميق ، وفهمه الدقيق للفكرة ، وأهدافها.

اغتيال الإمام

وفي مساء يوم السبت 14 من ربيع الآخر 1368هـ = 12 من فبراير 1949م عندما كان الإمام حسن البنا يغادر جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس بالقاهرة اغتالته يد الغدر والخيانة، ولكنها لم تستطع أن تغتال أفكاره أو تنال من دعوته التي انتشرت لتملأ ربوع الأرض بنورها، وتهدي قلوب الحائرين بهديها، وتضيء ظلام النفوس بأفكارها وضيائها.
لقد استشهد "حسن البنا"، ولكن أفكاره، ما زالت حية، تنبض بها القلوب وتتوهج بها الأرواح والنفوس.

دعائم المشروع الحضاري لدى الإمام البنا

مشروع الإمام البنا الحضاري موجود في مصادره وأبرزها مجموعة الرسائل ، وهو يقوم علي جملة دعائم:
1- الإيمان بالمرجعية العليا للإسلام المجسدة في القرآن والسنة في بناء حياتنا كلها ، ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية .
2- الدعوة إلي تجديد الدين وإلي الاجتهاد في فهمه ، لمن يملك شروطه ، وفي مجال الاجتهاد ، والنظر إلي الإسلام وأصوله بعينه، وإلي العصر ومشكلاته بعين أخري.
3- الاستفادة من كل المدارس الإسلامية في علاج مشكلاتنا المعاصرة ، وخصوصًا المدارس التجديدية في تراثنا الفكري والفقهي ، والانتفاع بإبداعاتها ، والإضافة إليها.
4- رفض ما ألصق بالإسلام من أفهام خاطئة مختلفة ، من رواسب عصور الهزيمة والتراجع الحضاري، عملا بالقول المأثور : "خذ ما صفى ودع ما كدر" .
5- الانتقاء مما جاءتنا به الحضارة الغربية ، فلا نقبل كل ما جاءت به ، ولا نرفضه ، بل نأخذ منها ما ينفعنا ويتفق مع قيمنا وشريعتنا ، وندع ما يضرنا ويخالف ديننا . ومن أهم ما نأخذ منها :الجوانب العلمية والتكنولوجية والإدارية ، فاقتباس هذه الجوانب وإتقانها فريضة وضرورة . وهي في الواقع بضاعتنا ترد إلينا .
6- المشروع للأمة الإسلامية كلها ، ولكن مصر هي نقطة الانطلاق ، لموقعها الديني والحضاري والتاريخي والجغرافي ، ولأنها بلد الأزهر ، والوطن الأم للحركة الإسلامية ، ولتجاوب جماهير شعبها مع الإسلام فكرًا وشعورًا وسلوكًا .
7- تقوم النهضة أول ما تقوم علي تحرير الوطن – المصري والعربي والإسلامي –من الاستعمار وآثاره الثقافية والتشريعية والتربوية والاجتماعية ، وإعادة بنائها في شتي نواحي الحياة .
8- أن تقوم فيه للإسلام دولة قوية تبني عقيدته ، وتحكم شريعته ، وتبث قيمه ، دولة شورية مجددة وملتزمة ، تستلهم التراث ، وتعايش العصر ، تؤمن بالله ربًا ، وبالإنسان خليفة له في الأرض ، وتؤدي الواجبات ، وترعي الحقوق ، وتصون الحريات ، وتؤمن الحرمات ، وتقوم بمهمتها في تعبئة قوي الشعب ، وجمع كلمة العرب والمسلمين ، وتبليغ رسالة الإسلام إلي العالم .
9- العمل علي إقامة مجتمع فاضل راق ، جدير بالانتماء للإسلام ، متحرر من الظلم والقهر والخوف ، تتحقق فيه تنمية إنسانية شاملة وعادلة ، اجتماعية كاملة ، وتكافل إنساني عميق ، مجتمع يحارب الفقر والجهل والمرض والرذيلة ، ويجد فيه الجائع خبزه ، والمريض دواءه ، والقادر عمله ، والمشرد مأواه ، والمحتاج كفايته، والمظلوم عدالته ، والمكبوت حريته .
10- يهدف المشروع الإسلامي إلي توحيد الأمة الإسلامية ، كما أراد لها الله تعالى، وكما كانت في التاريخ ، وكما يوجبه منطق العصر في ضرورة التكتلات الكبرى ، ولكنه يؤمن بسنة التدرج ، ويرى أن وحدة العرب وتحررهم وعزتهم ، مقدمة ضرورية لوحدة الأمة الإسلامية وعزتها ، فالعروبة وعاء الإسلام ، والعربية لسانه ، والعرب هم عصبة الإسلام ، وحملة رسالته الأولون ، وفي الأثر : "إذا ذل العرب ذل الإسلام" .
11- يبدأ المشروع بإصلاح الفرد ، وبنائه بناء متكاملا : روحيًا بالعبادة ، وعقليًا بالثقافة ، وجسميًا بالرياضة ، وخلقيًا بالفضيلة ، مع التركيز على التغيير النفسي والعقلي ، فهو أساس كل تغيير (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ثم بناء البيت المسلم ، فالمجتمع المسلم ، فالأمة المسلمة ، في خطوات متدرجة ، ومراحل مدروسة ، وفق سنن الله في خلقه ، بلا قفز على الواقع، ولا إنكار للعوائق والصعوبات .
12- يقوم المشروع الحضاري الإسلامي على التوعية والتثقيف للجماهير ، وعلى التربية والتكوين للطلائع ، وعلى الكفاح السلمي ، والنضال الدستوري ، والتواصل مع الشعب ، حتى تتغير الأمة من داخلها ، وتتحق آمالها.

 

أصل مفهوم الوطن والمواطنة

في اللغة

وطن بالمكان (يَطِنُ) وَطْنًا: أقام به.
الموطن : الوطنُ. وكلُّ مكان أَقام به الإنسانُ لأَمر.
الوطن : مكانُ إِقامةِ الإِنسان وَمقَرُّه ، وإليه انتماؤه ، وُلد به أَو لم يولد.
ويقصد بالمواطنة العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري، ويرتب التمتع بالمواطنة سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على أربع قيم محورية هي :

أولاً: قيمة المساواة

التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء، واللجوء إلى الأساليب والأدوات القانونية لمواجهة موظفي الحكومة بما في هذا اللجوء إلى القضاء، والمعرفة والإلمام بتاريخ الوطن ومشاكله، والحصول على المعلومات التي تساعد على هذا.

ثانيًا: قيمة الحرية

التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع ومستقبله، وحرية تأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة ما، حتى لو كان هذا الاحتجاج موجهًا ضد الحكومة، وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي.

ثالثًا: قيمة المشاركة

التي تتضمن العديد من الحقوق مثل الحق في تنظيم حملات الضغط السلمي على الحكومة أو بعض المسئولين لتغير سياستها أو برامجها أو بعض قراراتها، وممارسة كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم مثل التظاهر والإضراب كما ينظمها القانون، والتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده ، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها.

رابعا: المسئولية الاجتماعية

التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب ، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترم حرية وخصوصية الآخرين.

الوطن والمواطن في نظر الإسلام

لقد جُبل الإنسان على حب نفسه والمحافظة عليها كما جبل علي حب العائلة التي ينتسب إليها ومنها خرج إلي الحياة الاجتماعية ، فهي مهد الإنسانية الأولي وبانتشار الناس في الكرة الأرضية وتكوين كل مجموعة متجانسة مجتمعًا يعيشون فيه انتقل الأشخاص من دائرة العائلة والقبيلة إلي دائرة المجتمع لهذا كان لأفراد هذا المجتمع انتماء إليه بجانب انتمائهم إلي العائلة ، وهذا الانتماء يرتب واجبات وينشئ ولاء لهذا المجتمع ويعرف هذا بالمواطنة .

فالمواطن هو الشخص الذي ينتمي بنشأته وتقاليده إلي وطن معين وبذلك يصبح مواطنا طبقا لقانون الجنسية في هذا البلد ، ولكن المواطنة أكثر شمولا من مفهوم الجنسية التي لا توجد إلا مع وجود دولة أصدرت قانونا للجنسية يحدد العلاقة بين الدولة والأفراد .

والمواطنة علاقة سابقة علي وجود الدولة وعلي وجود قانون الجنسية ، وهي أعمق وأشمل من الجنسية فقد تمنح الحكومة جنسية الدولة لشخص لم يكن مواطنا في هذه الدولة ويحتفظ بجنسيته الأصلية .

ولقد أدى ظهور مصطلح الوطنية والقومية إلي التساؤل عن موقف الإسلام من ذلك . فأقصى ما يهدف إليه دعاة الوطنية هو حب الوطن والدفاع عنه، وذلك قد فطرت عليه النفس وأمر به الإسلام ، فالنبي قال عن موطنه مكة (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك).

وأقصى ما يهدف إليه دعاة القو