المصدر : إخوان ويكي

المبحث الأول:وجهة نظر الليبرالية العربية

مصطلح الوطن من المصطلحات التي تثير الكثير من النقاشات والجدل فى الفكر السياسي المعاصر، وخاصة في المنطقة العربية. وهو مصطلح لم يرد له ذكر سواء فى القرآن الكريم أو السنة النبوية أو فى كتب الفقهاء اللاحقة، كما لا نجد له شرحا فى مراجع اللغة العربية.

وليس من الغريب غياب معنى الوطن من الأدبيات العربية والإسلامية، نظرا لعدم تداولها لدى العرب ثم المسلمين من بعدهم. فالعرب ما قبل الإسلام فيما يعرف"بالعصر الجاهلى" عاشوا فى بيئة قبلية بدوية لا تعرف معنى الوطن

حيث يرتبط الإنسان العربى بقبيلته التى تمثل له الملاذ الآمن من الثأر وتوفير الحماية والمعيشة، ولذلك عرف العرب في الجاهلية معنى "الحمى" وهو النطاق أو الحيز الجغرافي المتحرك للقبيلة، التى ترتحل من مكان لأخر وراء الماء والكلأ.

يقول أحد معارضي التيار الإسلامي واحد المنتمين للتيارات الليبرالية في المنطقة الدكتور أحمد البغدادي الأستاذ بجامعة الكويت:

" لا يرد مصطلح الوطن فى القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الحديث الشريف، بل إن الحديث النبوي المشهور (حب الوطن من الإيمان) يعد من الأحاديث المكذوبة الموضعة، وأنة لا يصح صدوره عن النبى (صلى الله عليه وسلم). وقد يستشهد البعض بحديث النبى (صلى الله عليه وسلم): "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد…"
وهو من الأحاديث الصحيحة، لكن الحديث لم يرد فى مجال الاعتراف بأهمية الوطن والانتماء إليه، بقدر أن مناسبة الحديث جاءت فى سياق دعاء الرسول(صلى الله عليه وسلم) بنقل حمى المدينة إلى الجحفة التى يسكنها اليهود، وذلك حين أصابت أبو بكر وبلالاً الحمى فى المدينة بعد قدوم النبى إليها، فجاءت عائشة إلى النبى وأخبرته عن حال أبيها و بلال، فدعا ربه أن ينقل الحمي إلى مكان إقامة اليهود، فكان المولود يولد بالجحفة (بضم الجيم)، فما أن يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى (كما ورد بموقع تخريج الأحاديث للشيخ الألباني).
ومن الواضح أن مصطلح الوطن لم يعرفه العرب إلا فى فرنسا، وذلك حين استخدمه المفكر المصرى مصطفى كامل (1874 – 1904) فى معرض تأكيده على الهوية الوطنية المصرية، لكنه كان يقصد القطر المصرى تحديدا، وفقا للكيان السياسي الجغرافى القائم. مما يعنى معه، أن مصطفى كامل كان يتحدث عن مفهوم الوطن ضمن منظومة الفكر الغربى الأوروبى.
وفى ذلك الوقت كانت جميع المجتمعات العربية باستثناء مصر، خاضعة لسلطة الدولة العثمانية. وكذلك الأمر مع الإمام محمد عبده، الذي كان لا ينظر سوا إلىمصر من ناحية قومية، وليس من الناحية الدينية. بدليل مناقشته فكرة الجامعة الإسلامية التى طرحاه أستاذه جمال الدين الأفغاني، كرابطة للبلدان الإسلامية.
فى ظل هذا الالتباس لمفهوم الوطن كان من الطبيعي أن لا يجد هذا المصطلح صدى فى الأدبيات الإسلامية بشكل عام، سواء فى كتب الفقهاء أو مؤلفات مؤسسي الجماعات الدينية " ...

القوم والأمة بين الجاهلية والإسلام

الانتماء الفردى للإنسان العربى، فى عصر ما قبل الإسلام، يتمحور حول "القوم"، حيث يتباهى كل فرد بالانتماء لقوم ما. وبرغم أن الإنسان فى ذلك العصر، يُعرف بالعربى أو "عريبو" فى الثقافات القديمة، إلا أن عرب الجاهلية لم ينتموا إلى امة عربية واحدة، بسبب الصراع القبلى، مما حال دون خضوع العرب لسلطة مركزية واحدة قبل أن يوحدهم الدين الإسلامي. لذلك كان الانتماء القبلى هو الأصل.

يقول د. إحسان النص:

"وكان الشاعر الجاهلى يرى أن من حق قبيلته علية أن يقف عليها موهبته الشعرية .. وأن يسعى بوصفة مواطنا قبليا، بكل ما لديه من طاقة وجهد فى ما يعود بالخير والنفع على عشيرته .. وهكذا نجد الشاعر الجاهلى لا يكاد يبلغه أن رجلا ما تعرض لقبيلته بسوء، أو انتقص من مكانتها حتى ينبرى لهجائه وثلب قبيلته، ولا يكاد يسمع شاعر يفخر على قومه حتى يبادر إلى الرد علية مفاخراً بعشيرته..
خلافاً لهذه الروح الجاهلية القائمة لدى العرب، جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين أمة من دون الناس، بل انه (صلى الله عليه وسلم) ميز بين القبائل من خلال تصنيفها كأمم، ففى وثيقة المدينة التى كتبها النبى حين قدومه إليها، ووجدت النزاعات المتأصلة بين قبيلتي الأوس والخزرج من جهة، والتنازع بينهما وبين اليهود
من جهة أخرى، قام النبى بتحديد موقع المسلمين فى هذا الخليط القبلى غير المتجانس بتمييز المسلمين والمؤمنين عن غيرهم، وذلك فى البند الثانى من الوثيقة أو الصحيفة، والذى نص على "أن المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس" وفى البند الخامس والعشرين من الصحيفة نص على أن "يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم"
وقد كان الاستطراد القرآنى يميل إلى "القوم" حين الإشارة إلى المجموعة البشرية التى يسعى الأنبياء إلى هدايتها أو تهديدها بالعذاب، بدليل كثرة الآيات القرآنية الواردة فى هذا الموضع، إلا أن القرآن الكريم كان أكثر تحديدا فيما يتصل بـ "الأمة" خاصة فى وصف الأمة الإسلامية، كما فى قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أما وسطا لتكونوا شهداء على الناس" (البقرة:134)
وقوله "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير.." (أل عمران: 104) وقوله "كنتم خير أمة أخرجت للناس.." (أل عمران: 110) هذا الانتقال الدينى من فكرة القوم المحدودة إلى فكرة الأمة، يمثل توسعا وشمولا فى الرؤيا القرآنية للمجموعة الإنسانية الخاصة بالمسلمين، ساهم بصورة أو بأخرى بالتحرر من القيد الجغرافى – إن جاز التعبير – للقبيلة ممثلة بـ"الحمي". وبالتالى انتقل المسلمون من ضيق القبيلة إلى رحاب الأمة ذات الطابع الدينى.
وحيث أنة من المستحيل حصر عدد المسلمين فى كيان جغرافى محدد، بسبب التوسع فى الدعوة الدينية لكي يدخل الناس فى دين الله أفواجا، وهو ما حدث فعلا بعد فتح مكة فى السنة الثامنة للهجرة، ثم الامتداد الإسلامي خارج نطاق شبه جزيرة العرب إلى بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها من البلاد المختلفة، بما تضمه من أخلاط عرقية لا يجمعها سوي الدين الواحد. لذلك كان من الطبيعى جداً عدم التقيد بنطاق جغرافى واحد محدد لأنه يحول دون امتداد الدين، وهو ما يتنافى والدعوة إلى نشر الدين الإسلامي.
وبذلك أصبح الإنسان المسلم ينتمى إلى أمة محددة هى الأمة الإسلامية الغير مرتبطة بكيان جغرافى محدد، وهذا هو شأن الإمبراطوريات العظمى، كالإمبراطورية الرومانية والفارسية على سبيل المثال لا الحصر.وفى ظل الإمبراطورية الإسلامية لا يوجد سوي أحكام واحدة للجميع، ينتقل إليها المسلم بغض النظر عن المكان الذى يقطن فيه، ما دام يتحرك فى الكيان الجغرافى الواسع للإمبراطورية التى ينتمى إليها.
ومن الطبيعى أن يُضعف هذا التوجه مفهوم المواطنة المحددة والمرتبطة بكيان جغرافى محدد. وعلى الرغم من زوال الإمبراطوريات المختلفة، ومن بينها الإمبراطورية الإسلامية وتفتتها إلى كيانات جغرافية محددة بعد زوال الإمبراطورية العثمانية، مثل مصر وبلاد الشام والعراق، إلا أن مفهوم "الأمة الإسلامية"ظل كامنا فى الوجدان الإسلامي دون أن يكون له أى تواجد فعلى.
بل إنه اختفى فعليا بعد ظهور الدولة القومية أو الوطنية ذات الكيان الجغرافى المحدد. وظل كذلك، وما يزال، إلى أن جاء حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، فأعاد بعث فكرة الأمة الإسلامية من جديد.
لكن نظراً لاعتماد الأنظمة السياسية العربية لنظرية الدولة الوطنية، وتقسم الكيان العربى الواسع إلى كيانات عربية محددة، أصبحت فكرة الدولة الوطنية أقوى من أن تُزال أو يحل محلها فكرة بديلة، حتى ولو كانت فكرة الأمة الإسلامية.

المبحث الثاني:حب الأوطان في فكر الجماعة

مدخل

حب الوطن فطرة إنسانية مركوزة في النفوس، ولم تزل الشعوب على اختلاف عقائدها وميولها وأجناسها متفقة على هذه الفضيلة، متجاوبة المشاعر مع هذه الفطرة، وما قنع الناس بشيء من أقدارهم قناعتهم بأوطانهم، مهما أصاب هذه الأوطان، وما عمرت البلدان إلا بحب الأوطان.

وقد دَعا النبي الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هذه الفضيلة، وحبب فيها، وضرب المثل الأعلى في ذلك، وصور مشاعره تجاه بلده مكة حين اضطره الظالمون من أهلها للهجرة منها، فقال: "ما أطيبك من بلد، وأحبّك إليّ! ولولا أن قومك أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرك".

وظل الشعور بالحنين إلى مكة ملازما للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يقدم عليه من مكة قادم إلا سأله عنها، واهتز قلبه شوقا إليها، حتى فتحها الله عليه، فدخلها قائدًا فاتحا مُظفَّرا، فخاطبها بنفس الشوق، قائلا: "والله إنك لخيرُ أرض الله، وأحبّ أرض الله إليّ الله، ولولا أني أخرِجت منكِ ما خرجت".

وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرق لحال المهاجرين العاشقين للوطن، ويقدّر عواطفهم في الحنين إلى مكة، ويدعو الله أن يحبِّب الله إليهم وطنهم الجديد المدينة كما حبّب إليهم مكة.وكان حب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين لوطنهم المدينة عجيبا، لدرجة أَنَّه "كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدرَان المَدِينَةِ أسرع رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا"

وكان يدعو المسلمين للصبر على وبائها وشدة حرارتها ويقول: "لا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيامَةِ أوْ شَهِيدًا"، إلى آخر ما جاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الصدد. وهو درس في حب الوطن عظيم.

ومما جُبِلت عليه الفِطَر السليمة محبة الأوطان؛ لما لها من فضل على الإنسان في تربيته وتنشئته، وتغذيته وتثقيفه وحمايته، ولما لها من آثار عليه في تشكيل سلوكياته وطبائعه، وإذا كان الوطن هو مهد الإنسان، ومَرتع صباه، ومناط آماله، ومَبزغ فكره، ومسرح نشاطه، ومرعى هواه، ومأمنه من الفزع - فلا بد أن يشعر الإنسان الصادق بحب لهذا الوطن، وبحنين جارف نحوه حين تُبعده عنه ضربات القدر، أو تَحرمه منه أسباب الرزق؛ اعترافًا بجميله، وردًّا لصنيعه ومعروفه.

ولهذا كله جاءت النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والأقوال المأثورة - لتحضَّ على حب الوطن، ولتقرِّر أن هذا الحب الفطري لا يمكن أن يتعارض مع محبة الله ورسوله، ولتقول: إن الانتماء للأوطان لا ينافي الانتماء للأمة الإسلامية.

الإمام البنا ودعوى الوطنية

تعددت الدعوات والمذاهب الفكرية في عهد الإمام حسن البنا ، فمن دعوة إلى الوطنية .. إلى القومية .. إلى العلمانية إلى غيرها من الدعوات المتباينة التي شغلت وما زالت ساحة الحياة العامة في المنطقة.

وقد أوضح الإمام البنا في رسالته (دعوتنا) المبدأ المعياري العام للمسلم في التعامل مع القيم والدعوات والمذاهب الفكرية في المجالات الحياتية المختلفة

حيث يقول:

(موقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا فما وافقها فمرحبا به وما خالفها فنحن براءمنه ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة محيطة لاتغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه).

ومن بين هذه الدعوات التي افتتن الناس بها دعوة (الوطنية) ومن خلالها يشكك الكثيرون في موقف المؤمنين بمرجعية الإسلام للأمة وللكون أجمع من الوطن والوطنية.. وفي السطور القادمة نحاول إلقاء الضوء على هذا المفهوم كما يراه الإمام البنا وكما طبقه الإخوان على أنفسهم فصاروا مثلا يحتذى في الوطنية بمعناها الأوسع والأشمل.

يؤكد البنا أن دعوة الوطنية قد ظهرت بين الشعوب العربية كرد فعل للظلم الذي تعرضت له من قبل القوى الغربية من احتلال وسيطرة على مقاليد الأمور ، وتمثلت هذه الوطنية في خطب الزعماء ومقالات الكتاب حيث انبرت الأقلام والألسن في ثورة حماسية تلهب مشاعر المواطنين .

ويرى الإمام البنا أن الوطنية بمعناها الشامل تتسع في فهم جماعة الإخوان المسلمين ليشمل المعاني الصحيحة التي ينادي بها دعاة الوطنية – حيث يقول رحمه الله:

وطنية الحنين

حيث يوجه البنا حديثه لدعاة الوطنية بأنهم إن كانوا يقصدون بالوطنية مشاعر الحب للأوطان فهذا أمر محمود ولا غبار عليه بل إن الإسلام أمر به ويدلل على ذلك بأن بلالا رضي الله عنه هتف وهو بالمدينة بأسمى آيات الحب والحنين لوطنه مكة ولم ينكر الرسول صلى الله عليه و سلم ذلك

فكان ينشد:

 

ألاليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي إذ خروج ليل

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لي شامة وطفيل

بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنيناإليهاوقال (ياأصيل دع القلوب تقر)

وطنية الحرية و العزة

ومعناها بذل الجهد في تحرير الوطن من المغتصبين والسعي إلى استقلاله وتنمية حب الوطن والعزة والحرية في نفوس أبنائه وهذا المعنى أيضا لا يتعارض مع مبادئ الإسلام التي تؤكد على عزة المسلمين وكرامتهم انطلاقا من قوله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)

وطنية المجتمع

أي تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد و هذه أيضا من مبادئ الإسلام فقد أمر الرسول المسلمين في حديثه بذلك فقال (وكونوا عباد الله إخوانا)

وطنية الفتح

أي فتح البلاد وسيادة الأرض وهذا في الإسلام من أعظم الفتح و أكثره بركة (وَقَاتِلُوهُم ْحَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَة ٌوَيَكُون َالدِّين ُللهِ) وكل هذه المعاني السابقة تؤكد أن الإسلاميتفق تماما مع الوطنية بما يمكن معه القول أن الوطنية لمتخرجعنأنهاجزءمنتعاليمالإسلام.

الوطنية الزائفة

ثمة نوع آخر من الوطنية وهو ما أشار إليه بالوطنية الحزبية وهذا النوع مذموم لأنه يعتمد على تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتبادل التهم والمكائد وفق الأهواء والمصالح الشخصية .

بين البنا ودعاة الوطنية

يرتكز الخلاف الأساسي بين البنا ودعاة الوطنية في أمرين أساسيين :

حدود الوطنية : حيث أن الوطنية لدى البنا لا تعترف بالحدود الجغرافية بل تستند إلى العقيدة باعتبار أن كل بقعة من بقاع الإسلام بمثابة وطن للمسلمين عليهم تقديسه وحبه والجهاد في سبيله
وباعتبار أن كل المسلمين أخوة في هذا الدين ومن ثمرات هذه الأخوة اتساع مفهوم الوطنية ليشمل مبادئ سامية ، بينما يرى دعاة الوطنية أن حدود الوطنية تقف عند الحدود الجغرافية فلا مانع من أن تقوى دولة ولو على حساب دولة مسلمة أخرى.
غاية الوطنية: حيث أن غاية دعاة الوطنية هي تحرير بلادهم من المستعمر ثم تقوية الدولة ماديا، بينما غاية الوطنية عند البنا هداية البشر بنور الله وهو يجعلها أمانة في عنق المسلم يضحي من أجلها دون أن ينتظر عرضا من مال أو جاه أو سلطان وبالتالي يكون المسلم أعمق الناس وطنية لأن الذي فرض عليه ذلك هو رب العالمين.

مراتب الوطنية في فكر البنا

يكثر البنا في رسائله من كلمة الوطن وهو يعني به وطن الإسلام بمفهومه الشامل والعام حيث يرى أن هذا الوطن في عرف الإسلام يتدرج على مراحل:

  1. القطرالخاص أولاً.
  2. ثم يمتد إلى الأقطارالإسلاميةالأخرى فكلها للمسلم وطن ودار.
  3. ثم يرقى إلى الدولة الإسلامية الأولى التي شادها الأسلاف بدمائهم الغالية العزيزة فرفعوا عليها راية الله، ولاتزال آثارهم فيها تنطق بما كان لهم من فضل ومجد، فكل هذه الأقاليم يُسأل المسلم بين يدي الله تبارك وتعالى لماذا لم يعمل على استعادتها.
  4. ثم يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعا (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌوَيَكُونَ الدِّينُ كله للهِ) وبهذا يوفق الإسلام بين شعور الوطنية الخاصة والعامة بما فيه خير الإنسانية جمعاء.

دوافع العمل للوطنية عند البنا

كان وما زال الإخوان أشد الناس حرصا على خير وطنهم وتفانيا في خدمته حتى أن شاعرا من شعرائهم قال:

 

ولست أدرى سوى الإسلام لي وطنا
الشام فيها وادي النيل سيان

وكلما ذكر اسم الله فى بلد

عددت أرجاءهم نلب أوطاني

وقد دعا