المصدر : إخوان ويكي
تحدثنا في الحلقة السابقة عن طبيعة العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام الملكي، والأسباب التي أوجدت حالة الصدام بينالجماعة والنظام، وعرفنا أنها كانت نتيجة لسيطرة الإستعمار على البلاد، وعدم رغبته في وجود جماعة تعمل على زلزلة أركان دولته الاستعمارية في مصر، بالإضافة إلى وقوفهم في وجه المخطط الصهيوني الأمريكي البريطاني للسيطرة علىفلسطين، وكيف أن حرب فلسطين كانت المسرح الأكبر الذي كشف عن قوة الإخوان المسلمين وخطرهم على الإنجليزوالصهيونية، مما حدا بهم بمطالبة النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين فاستجاب لهم وأصدر قرارًا بحل الجماعة - بتجاوز اختصاصاته كحاكم عسكري- في ديسمبر 1948م، وكيف أن الجماعة دخلت في طور المحنة والاعتقال، وقتلالمرشد العام في عهد إبراهيم عبد الهادي.
الإخوان المسلمون وعهد عبد الناصر والثورة
بعد أن أفرج عن الإخوان عادوا للمطالبة بأحقيتهم في العمل داخل إطار مشروعية الجماعة، وتحقق لهم ذلك بعد أن حكمت لهم المحكمة بذلك، فعادت الجماعة مرة أخرى وفتح المركز العام، كما فتحت الشعب، وعادت الجماعة كما كانت، لكنها تحت قيادة جديدة بعد اغتيال مؤسسها وقائدها الإمام حسن البنا، ففي 17/10/1951م اختير المستشار حسن الهضيبي ليكون مرشدًا عامًّا للإخوان المسلمين، فقاد الرجل –بالرغم من كبر سنه- مسيرة العمل غير أن شخصيته كانت تختلف عن شخصية الإمام البنا وكان من الطبيعي في ظل هذه التطورات والمتغيرات أن تحدث بعض الاختلافات في وجهات النظر داخل الجماعة بين بعض الأفراد والقيادات خاصة بين فكر المرشد العام وطبيعة النظام الخاص القديمة وقيادته، لكن بالرغم من ذلك كان الصف متلاحمًا على غاية واحدة وهي العمل لدعوة الله وإسقاط الملكية، وجاءت الفرصة عندما اشترك الإخوان المسلمون ومجموعة الضباط الأحرار في تحريك ثورة ضد النظام الملكي وزلزلة أركانه، يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته الجزء الأول، طبعة المكتب المصري الحديث، ص (24): «قمنا بتدريب الإخوان المسلمين عسكريا وأمددناهم بالأسلحة والذخيرة التي كان قد أمكن لنا تهريبها من مخازن الجيش وعملنا على تشكيل كتائب فدائية منهم تحت قيادة ضباط بغرض القيام بغارات فدائية قبل ذهابهم لفلسطين عام 1947م خاصة بعد قرار التقسيم في نوفمبر 1947م» وقد تحركت هذه الثورة بعد القوة التي أبداها رجال النظام الخاص في حرب القنال عام 1952م وما ظهروا به من كفاءة حربية عالية كانت موضع اهتمام جمال عبد الناصر والذي دفعه للاستعانة بهم في تحريك الثورة وتأمينها، وفعلا تحركت هذه الثورة بالتعاون بين الضباط والإخوان وتحرك الضابط أبو المكارم عبد الحي لحصار قصر عابدين، كما توجه عبد المنعم عبد الرءوف إلى الإسكندرية لحصار قصر رأس التين، وظل محاصرًا له حتى تنازل الملك عن العرش وطرد في 26 يوليو 1952م.
طبيعة رجال الثورة
وبعد أن استقر الوضع للضباط الأحرار شكلوا مجلس قيادة الثورة لتحكم مصر من خلاله حتى تجرى الانتخابات، وتحكم مصر من خلال نظام ديمقراطي نيابي، غير أن الخلافات والمشاحنات شقت صفوف الضباط، وحدثت تكتلات بينهم وانعدمت الثقة فيما بينهم، فبرزت هذه المشاكل على السطح، وأصبح الوضع ينذر بخطر، خاصة أن بعض رجال مجلس قيادة الثورة كان لا يرضى عن محمد نجيب بسبب زيادة شعبيته، وخوفهم من أن يقصيهم عن الحياة السياسية، وهو المطلب الذي كان ينادي به محمد نجيب بعودة رجال الجيش إلى أماكنهم بين صفوف العسكريين، فكان هذا لا يرضي هؤلاء الضباط، فعملوا على تهميش نجيب، واحتدم الشقاق خاصة بين نجيب وعبد الناصر، فيذكر عبد اللطيف البغدادي في مذكراته ص(93) أن عبد الناصر اتصل بمستشارمحمد نجيب الضابط إسماعيل فريد، وطلب منه أن يبلغ نجيب بعدم الذهاب إلى حفل ذكرى وفاةحسن البنا، وأنه يحذره من الذهاب، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة عليه، ثم سب عبد الناصرولعن محمد نجيب».
لم يكن لدى رجال الثورة رؤية واضحة في كيفية إدارة البلاد ومن ثم كانت الانشقاقات والمشاحنات بين صفوف الضباط كثيرة، وأصبحت مصر تعيش محنة العسكريين، فتارة يتحرك سلاح الفرسان، وأخرى يحرك جمال سالم سلاح الطيران ويهدد نجيب، كما يعلن عبد الحكيم عامر أنه سيدك سلاح الفرسان بالطيران، وأخذ كل فريق يسابق الفريق الآخر في السيطرة على مقاليد الأمور، وحاول كل فريق استرضاء القوى الأخرى لتكون فى صفه كالإخوان وغيرهم.
كما أن جمال أخذ يشيع الرهبة والرعب في قلوب الشعب عن طريق المظاهرات التي كان يحركها الضابط أحمد طعيمة وإبراهيم الطحاوي والانفجارات التي أحدثهاعبد الناصر حتى يطلب الشعب أن يظل العسكريون في السلطة يحمون البلاد، وما كانت هذه التفجيرات إلا بمعرفة وإدارة عبد الناصر كما ذكر بغدادي ص(146) عندما قال: «لقد اعترف عبد الناصر لي ولكمال الدين حسين وحسن إبراهيم يوم الأحد 21/ 3/ 1954م بأن التفجيرات التي حدثت في مبنى محطة السكك الحديدية وحرم الجامعة ومحل جروبي هو التي قام بها بهدف إثارة البلبلة في نفوس الناس حتى يجعلها تشعر بعدم الأمن والطمأنينة».
لقد قيد الحكم العسكري البلاد منذ سيطرته على مقاليد الحكم، ففي 10/ 12/ 1952م أصدر مجلس قيادة الثورة (على ما به من خلافات) قرارًا بإلغاء دستور عام1923م وإعلان الدستور المؤقت في 10/ 2/ 1953م.
الإخوان ومرحلة جديدة
لقد عاد الإخوان إلى الحياة السياسية بعد أن حكمت لهم المحكمة بذلك، واندمجوا في الحياة بقوة، واشتركوا في تأمين الثورة، كما أنهم ظهروا بمظهر القوة في حربفلسطين وحرب القنال؛ مما كان سببا في خوف أي نظام من قوتهم.
وقد أدرك مجلس قيادة الثورة -ومن بعد عبد الناصر- هذه الحقيقة فتجنبوا إثارتهم وحاولوا كسب ودهم في هذه المرحلة التي تحتاج فيها الثورة لدعم شعبي متمثل فيالإخوان المسلمين الذين كانوا يعدون قوة ضاربة في أكباد البلاد من شرقها لغربها، حتى إن مجلس قيادة الثورة عندما أقدم على حل الأحزاب استثنى جماعة الإخوانمن ذلك الحل، يقول بغدادي: «بعد أن رأى مجلس قيادة الثورة تعنت الأحزاب في التطهير قام باعتقال بعض قادتها، وأصدر في 17/1/1953م قرارًا بحل الأحزابوالهيئات السياسية ومصادرة أموالها فيما عدا جمعية الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة دينية خاصة».
وليس ذلك فحسب، بل قام مجلس قيادة الثورة في 11/10/1952م بإصدار عفو شامل عن قتلة الخازندار، كما أصدر القانون رقم (179) في 3/9/1952م والذي استند إلى كون الإخوان ليسوا حزبًا سياسيًا ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على الأحزاب.
كانت هذه الفترة تتميز بالصدام بين كل الأطراف كل يحاول أن يكون الطرف الفائز في هذا الصراع وكانت جماعة الإخوان المسلمين في منأى عن تلك الصدامات، مما يدل أن الصدام ليس من طبيعة الإخوان بل هو طبيعي في أنظمة الحكم الفردي والشخصي ليحافظ على وضعه ومكاسبه الشخصية التي حققها، ولذا عندما أراد عبد الناصر أن يدمج الإخوان في هيئة التحرير ورفضهم ذلك لكونهم منظمة دعوية والهيئة لا تقوم على هذا الهدف بدأ الصدام، خاصة بعدما أقام طلاب الإخوان المسلمين بجامعة القاهرة حفلًا وكان سيتحدث فيه نواب صفوي زعيم فدائيان إسلام الإيراني، والذي كان يقف في وجه استبداد الملك رضا بهلوي، فقام الشباب التابعون لهيئة التحرير بمهاجمة الحفل ومحاولة إفشاله بالقوة، فما كان من طلبة الإخوان إلا أنهم تصدوا لهم وأوسعوهم ضربا فارتد شباب الهيئة مقهورين فحملهاعبد الناصر، فيقول بغدادي ص(88: 91): «اجتمع مجلس قيادة الثورة في استراحة وزارة الأوقاف بمنطقة الأهرامات يوم 18/12/