خالد الاعصر
من مئات وربما آلاف السنين والجدل موجود حول مسألة , هل الإنسان مسير أم مخير؟ وأدلى كل بدلوه من علماء وفلاسفة ومفكرون وفقهاء وغيرهم وكأن الكل يريد الوصول إلى حقيقة قاطعة ولكن الحقيقة القاطعة والتي لا شك فيها أن هناك أمور في حياة الانسان لا خيار له فيها , فهو لم يختر الزمن الذي يولد فيه ولا والديه ولا لونه ولا طوله وفا فصيلة دمه ولكنه بيده اختيار زوجته وعمله والعمل بما يرضى الله أو أن يعصى المولى عز وجل ولا يطبق شرائعه.
وعندما أقول أن هناك عشر مجالات في حياتك بإمكانك السيطرة عليها والتحكم بها فهذا ككل القواعد والنظريات في العالم كله , لكل أمر استثناء , فلا يوجد المطلق الكامل. ولكني أردت من المقدمة السابقة أن أؤكد أن الأمر باستطاعتك ولكن كل على حسب ظروفه . صحيح أن هناك الكثير من الأمور تتداخل وتتعقد وتتشابك في حياتنا ولكن بشيء من التنظيم وحسن التعامل نستطيع أن نضع كل شيء في نصابه. واليكم الآن العشر مجالات التي أرى أننا بإمكاننا التحكم فيها :
1. ما تفكر به
فكل إنسان لديه مطلق الحرية في التفكير وهو المسيطر الوحيد على ما يدور برأسه. مهما كانت تلك الأفكار: جيدة , سيئة , إيجابية , سلبية ولكنها أفكارك ولا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة أن يتحكم في تفكيرك. وقد قالها استاذنا وشيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي في قصيدته :
ضع في يدي القيد , ألهب أضلعي بالسوط , ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة أو نزع إيماني ونور يقيـــــــــــني
إذن فأنت تستطيع أن تتحكم في أفكارك وتعدل فيها كيفما شئت وتضيف إليها وتنقحها بين الحين والأخر كما يحلو لك.
2. ما تقوله
وها هو رسولنا العظيم ( صلى الله عليه وسلم ) يرد على سيدنا معاذ عندما سأله " أومحاسبون نحن على ما نقول يا رسول الله ؟ " فقال له " ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يكب الناس على مناخيرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم . " نعم , انك تستطيع أن تتحكم في كل كلمة تخرج من فمك , وتذكر دائما أنه " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " صدق الله العظيم.
3. ما تفعله
من رحمة الله عز وجل بنا أنه لا يحاسبنا على ما نفكر فيه . ولكن إن تحول الفكر إلى أقوال أو أفعال يكون الحساب . فما تقوم به من افعال وأعمال أنت حر في تقريرها والقيام بها. صحيح أن هناك قوانين وتشريعات تمنعك من أفعال بعينها ولكنك إن أردت لفعلتها سواء أمنت العقوبة أو تيقنت من أنك ستفلت منها . فمثلا أنت حر الإرادة أن تؤدي عملك على أكمل وجه يرضاه الله , وكذلك بإمكانك أن تؤديه بشيء من التقصير تحدده أنت.
4. عملك
قد يقول قائل : إني أؤدي هذا العمل على غير رغبة مني ولا حب له . فهو مفروض علي فكيف أكون أنا المتحكم في عملي. قلنا سابقا أن هذا من الاستثناءات ولكن لو أنك تعيش في مجتمع سوي عادل لكنت تؤدي العمل الذي اخترته لنفسك وتشعر أنك تتقنه . ومع ذلك فإن نسبة من يقومون بعمل لم يرغبوا به فهي تظل قليلة بالنسبة لمن يقومون بأعمال قد اختاروها لأنفسهم. وإن كان حالك كهذا فنقل لك كما تقول الحكمة " أحبب ما تعمل حتى تعمل ما تحب "
5. دائرة تواصلك
ولم نقل أسرتك فهي أمر مفروض عليك , فلم يختر احدنا أباه ولا أمه . ولكني أقصد من تختارهم بنفسك ليكونوا هم دائرة التواصل التي تناسبك , وأهم هؤلاء هم الزوجة والأقران والأصدقاء. فلك حرية إختيار شريكة حياتك وتعلمنا حديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن المرأه تنكح لأربع : " لمالها وجمالها وحسبها ودينها " ولمن يرد الفوز والنجاح عليه أن يختار ذات الدين . وأنت أيضا من تحدد لنفسك من يكونوا أصدقائك ورفاقك. ولهذا يوصينا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول " المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل " ولا شك أن دائرة تواصلك هذه هي الفعالة في تحقيق أهدافك ومساعدتك في الوصول لما تبغيه من حياتك وقديما قالوا " من الصعب أن تحلق كالصقور وأنت محاط بالدجاج "
6. صحتك
قد يستغرب البعض قولي هذا ويجزمون أن مسألة الصحة هذه رزق من الله ولا دخل للإنسان فيها. وأقول , صحيح أن الطول والقصر , المتانة والنحافة , القوة والضعف كلها من أقدار الله في العباد , ولكني أقصد انك تستطيع المحافظة على صحتك بقدر الإمكان , مثلا عن طريق عدم التدخين , عدم السهر , ممارسة رياضة بسيطة بشكل دوري , اخذ قسط معقول من النوم يوميا , الاقتصاد في المأكل والمشرب , كل هذه الأشياء تقوم بها ويبقى التوفيق بعد ذلك من الله عز وجل , فكم من رياضي صحيح البدن قوي البنية ونجده قد سقط نهبا لمرض عضال , فهذا ابتلاء من الله عز وجل ولا راد لقضائه ولكنا نعمل ما يمكننا وما نستطيع التحكم به .
7. بيئتك
أيضا قد يقول لي قائل وكيف لي أن أغير بيئتي وأنا أعيش في دولة شديدة البرودة طوال العام أو مدينتي مدينة صناعية يملؤها التلوث والدخان , أو اعيش في وسط مدينة مكتظة بالسكان والضوضاء . أوضح لك أخي العزير أن ليس هذا مقصدي ولكن ورغم أن بمقدور الكثير منا أن يغير من مكان إقامته _ ولا يستطيع ذلك إلا أولي العزم الشديد _ سواء بشكل من أشكال الهجرة الداخلية أو الخارجية , إلا أني قصدت بيئتك التي في متناول يديك , فأنت بإمكانك اختيار مكان إقامتك والتحكم في تأثيثه ونظافته وترتيبه ونظامه , فكم مرة دخلت على موظف ما فوجدت مكتبه مبعثرا رثا , ورقة هنا وملفا هناك وإذا أراد إيجاد كتاب – لا أقول ورقه – يبحث عنه بالساعات , وآخر تجد مكتبه مرتبا ومنظما وأنيقا يعلم كل ورقة أين موضعها ووقتما يطلبها تصل يده إليها بسهولة .
8. مالك
صحيح قد تكون غنيا أو فقيرا ولكن في كلا الحالتين أنت من تنفق هذا المال . أنت المتحكم فيه والمتصرف به . ولما كان للمال من أثر كبير في حياة الافراد والأمم فقد نبهنا رسولنا الكريم أنه لن تزول قدم ابن آدم – يعني يوم القيامة – حتى يسأل عن أربع ومنها : "وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه " هكذا سيسأل كل منا عن ماله هذين السؤالين , مهما قل ماله أو كثر . ولهذا ننبهك أخي الحبيب أنك المتحكم في هذا المال وأنت المنفق له وأنت الجاني له .
9. وقتك
كم من أوقاتنا تضيع هباء منثورا , بل والأعجب من ذلك أن تسمع بعضهم عندما يقترح على رفاقه لعبة ما أو خروجا أو ما شابه فإنه يقول " اهو نضيع وقت وخلاص " إن وقتك هو حياتك , أنه أغلى ما تملك , إنه استثمارك الأول . صحيح أن عملك ونومك يأخذان من وقت يومك ولكن باستطاعتك أن تجعل هذان الوقتان في ميزان حسناتك . إي والله حتى النوم يكون في ميزان حسناتك إن جعلت نيتك فيه أن يقوي الله بدنك على العمل والطاعة والعبادة بعد الراحة بهذا النوم. بيدك أنت أن تنفق وقتك في قراءة القرءان أو كتاب علم أو ممارسة هواية مفيدة أو رياضة وكذلك بإمكانك إنفاقه في اللغو وتوافه الأمور.
10. ذكراك
نعم , كلنا راحلون ومغادرون هذه الدنيا , فهل فكرت ماذا ستترك بعد رحيلك . يذكرنا رسولنا الكريم بهذا الموقف ويعلمنا أننا كلنا راحلون ولن يبقى من ذكرانا إلا " علم ينتفع به , أو صدقة جارية , أو ولد صالح يدعو له " هذا حال كل بني آدم إذا مات وانقطع عمله في الدنيا . فهل تركت ما يذكرك الناس به بعد وفاتك وتظل صحائف أعمالك تتزايد بالحسنات رغم مماتك , فهل تركت علما ينتفع به ؟ هل تركت صدقة جارية , هل تركت ولد صالح يدعو لك ؟
أخي الحبيب , أعلم أن هناك من سيختلف معي ويقول أن كثيرا مما ذكرت من جوانب الحياة لا مجال للإنسان للسيطرة عليها في بعض الأحيان , وهنا أؤكد أنا على كلمة ( بعض ) لأنه من المستحيل أن يتحكم غيرك في أمر من تلك الأمور كل أو طوال الوقت . صحيح قد تجبرك الظروف أو يجبرك ظالم أو طاغية على قول شيء ماء ولكن هذا في وقته فقط وبإمكانك التوبة والرجوع عنه فيما بعد , ولنا في قصة سيدنا عمار بن ياسر العظة والدرس. فقد اجبره المشركون في قريش أن يقول سوءا في رسول الله , وتحت وطأة التعذيب قالها , ولكن ما حال قلبه ؟ إن لسانه قال الكلمة ولكن قلبه مطمئن بالإيمان ولهذا نصحه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له ( إن عادوا , فعد ). وأخيرا فالأمر إليك قرر ما تريد واجتهد قدر استطاعتك وابذل قصارى جهدك حتى تحقق ما تريد.