أبو جره سلطاني :

في الحلقة السابعة تحدثنا عما أسميناه "الكلامولوجيا"،  وبينا أن الثرثرة لا تحل أية مشكلة، وأن من كثر لغطه كثر سقطه، وأن أبطال التنظير هم من يجمعهم الطمع ويفرقهم الفزع..ودعونا العاملين إلى عدم تضييع أوقاتهم في المهاترات، وعدم الرد على من يبحث عن تزجية أوقات الفراغ بكثير من اللغو الفارغ، وقلنا إن القدوة هي أفضل رد على أساتذة الكلامولوجيا، وأن إنتصارا واحدا ساحقا لكفيل بأن يخرس  مليون فم متشدق بالفراغ.


 تأصيل الشرع والواقع :
   يقول المصطفى (عليه الصلاة والسلام): "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل،" ومعناه : أن من يرافق الناجحين ينجح ومن يصحب المنحرفين ينحرف.

يقول علماؤنا : "الخير يعدي والشرّ يعدي"، فعدوى النشاط تنتقل إلى الخاملين إذا إستفزهم العاملون المخلصون بكثرة الحركة دون أن يحدثوهم عن فوائد العمل وعواقب الكسل، فالمسترخي في الظل (مريض) يحبّ الركون ويكره من يحدثه عن النهوض من هذه الوضعية القارة – التي آلفها- ليخرج إلى الشمس ويكدح مع الكادحين، فإذا قام – في الصف- من يذكره بواجباته، في الدعوة والحركة، قدم له سبعين (70) فائدة للإسترخاء وبسط بين يديه محاضرة طويلة وعريضة في سلبيات النشاط ومخاطر "الإجهاد الذهني" والتعب العضلي، ولعل من أخطرها سبع (07) شبهات كثيرا ما يروج لها الكسالى حتى تحولت إلى "عكاكيز" منخورة يتوكأ عليها المهزومون حركيا والمفلسون دعويا.. ليبرروا بها فشلهم الذريع أمام حركة الحياة بعد أن بلغوا مقامات إجتماعية مرموقة على أكتاف إخوانهم، فبعد صعودهم يوجهون لإخوانهم سبع (07) تهم يحاولون بها التأثير في معنويات العاملين والمجتهدين، وهي :
- إتهام العاملين بالغفلة : بقولهم، أنتم مغفلون لأن أسيادكم يستغلونكم في قضاء مصالحهم الشخصية.
- عينهم على الريوع  : بقولهم، كنا نعمل بجدّ واجتهاد مثلكم ولكننا إكتشفنا حقيقة مرة، وهي  أن "الثورة يفجرها الأحرار ويرثها السفله" فقررنا أن "نرقد في الخط"؟؟
- إنتظار شكر الناس : بقولهم، عرقكم ضائع سدى ولا أحد سوف يعترف لكم بأتعابكم أو يشكركم على فضلكم.
- تحريض رخيس : بقولهم، إن الغنائم تقسم في "الخلوات" وأنتم تكدحون في "الجلوات"؟؟
- تبرير مشبوه : بقولهم، أن غيركم يعمل فلماذا تتعبون أنتم أنفسكم بكثرة العمل.
- تحريض سمج : بقولهم للعاملين المخلصين، لو كان مسؤولوكم  يحترمونكم لاستشاروكم ولزاروكم وشكروكم وقدروا إنجازاتكم وذكروكم في محافلهم بخير..وأنتم تتعبون نفسكم بلا جدوى.
- كفر بالأسباب : بقولهم لرجال الميدان، سواء عملتم أم إسترخيتم مثلنا فالنتيجة واحدة، فلماذا تتعبون أنفسكم فيما ليس وراءه طائل.

مثل هذه "الوسوسوات الشيطانية" – الصادرة عن المسترخين في ظل الكسل- قد تثبّط عزيمة العاملين المخلصين إذا إنتشر لغوها وتعددت مصارد لغطها، وطال بها الأمد فتحولت إلى عدوى خطيرة ينتقل بها كثير من النشطين إلى مجموعات المسترخين في ظل الكسل. فيصبح 10% يعملون مقابل 90% يتفرجون وينتظرون النتائج.
10- عدوى الإسترخاء في ظل الكسل : القاعدة العاشرة من قواعد الإمساك برمام القوة هي "البعد عن المثبطين" وذلك أنه من أغرب ما يتناوله صاحب كتاب "كيف تمسك بزمام القوة"، في القاعدة العاشرة هو موضوع العدوى التي يعرف جميع الناس أنها لصيقة بثلاث (03) ظواهر لا تعدوها، وهي :
- الأمراض المعدية..التي تنتقل من شخص إلى شخص آخر بالعدوى.
- والرفقة السّيئة..التي تكتسب بالخلطة.
- والتعوّد على الفساد والإنحراف الذي يبلّد الطبع ويعدي المحيط بكثرة الطمع.
لكن الصّنف الرابع من العدوى – وهو ما يهمنا في هذه الحلقة- هو عدوى المخاللة (الصحبة) التي تمسّ "صف العاملين" وتفتُّ في عَضد النشطين وتقعد بالسماعين "وفيكم سماعون لهم" إذا أصاب أذن العاملين داء خبيب يسمونه "التلوث السمعي" الذي له سببان (02)  رئيسيان وله أربع (04) علامات فارقة.
أما سبباه الرئيسيان (02) فهما :
- رصيد الإفلاس : فالذي لا يعمل ويتفرج على العاملين عاصي لله تعالة الذي يأمر الناس بالعمل : "وقل إعملوا" فمن لا يعمل يصاب بمرض الركون إلى حزب القيل والقال والإستثمار في بنوك الإفلاس بالغيبة والنميمة..
- مواعيد عرقوب : فالجالسون في بيوتهم، أو في الأماكن العمومية (النوادي، والمقاهي، والبيوتات..الخ) يرون كل عمل أعوج، ولا يستقيم عندهم إلا النوم والإخلاد إلى الراحة والتأثر بمجالس النسْوان : "وقال نسوة في المدينة إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا.." يوسف : 30، ليس طعنا في النساء وإنما هو تذكير قرآني بأن ترويج أخبار المخادع والتلذد بسماع حكايات غرف النوم إنما هي بضاعة "الفارغين" من الرجال و"الفارغات" من النساء، فإذا تناولها رجال الصف الأول تحولت إلى "حادثة إفك" وصارت بحاجة إلى معالجات تربوية في العمق.

وأما العلامات الفارقة الأربع (04) فهي :
- السَّاقط واللاقط، فما يسقط من الفم تلتقه الأذن، ولكل ساقطة لاقطة، وذلك بتصيد الأخطاء الصغيرة وإحصائها بمنهج البحث عن الشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض.
- العاطل الناقد، وهي قاعدة سلبية في الأفراد، إذا توسعت إلى المؤسسات تجعل الرصيد صفرا، لاسيما إذا كثر الإسترخاء في الكسل وشاع في الصف تتبع عورات العاملين ونقد أدائهم.
- كفران العشير : بحجب الخير ونشر أخبار السوء وتضخيم المثالب والتكتم عن المحاسن، ولو كانت بحجم الجبال.
- أنانية إبليس: بالإعتقاد أن الذي لا يسجد لله ويرفض تنفيذ أوامره خير من الساجدين والعاملين، فينصبون أنفسهم زعماء، ويدعون الناس إلى الإنفضاض عن الجماعة بحجة الهروب من "الفتن"والعضّ على أصل شجرة، مع أن الزمن ليس زمن فتن، ولا هو عصر هرج ومرج، وإنما هو زمن عمل وجهاد سلمي مدني، لكن هؤلاء الرهوط ينزعجون من العمل مع الجماعة، فهمُّهم الوحيد هو الإعتزال وتخريب المؤسسات.. والبحث عن مجالس النجوى..والخوض مع الخائضين.

إن أخطر ما تنقله عدوى الإسترخاء في ظل الكسل هو إصابة أغلب من في الصف بالكساح الفكري والشلل التنظيمي، فيتعطل النشاط الميدني الذي "يقيد" صاحبه عن الحركة ويفقده شهية العمل فيصبح أثقل شيء على نفسه هو أن يشارك في أي نشاط تدعوه إليه المؤسسات العاملة، ولو بمجرد الحضور الشخصي لتكثير السواد أو بالوقوف الغاضب وقفة إحتجاج صامتة أمام مبنى حكومي للتعبير عن الغضب إذا مسّ الأمة سوء أو أُستُهدفت في كرامتها وخُدشت مشاعرها.
هذا الرهط من البشر لا تطربه أفراح الحركة ولا تحزنه أطراحها، لأنه ببساطة موجود "تنظيميا" خارج نطاق التغطية و"رصيده الإيماني" لا يكفي للتواصل مع إخوانه، ومن العسير عليه جدا أن يكلف نفسه مشقة "تعبئة الرصيد الحركي" بالركوع مع الراكعين، أو إراحة الناس بغلق الخط التنظيمي وشطب إسم المشارك من بطاقية المنتظمين.. وعدم الإتصال.. أو الخروج نهائيا من الشبكة.

إن وجود هؤلاء الناس بهذه الصفة المسترخية – في أي مؤسسة- يشكل خطرا مزدوجًا على حاضر المؤسسة ومستقبلها :
- الخطر القائم : ويتمثل في إنتقال عدواهم (عدوى الخمول الناقد) للعاملين، فتتكاثر "جيوش القاعدين" والمقْعدين والمتقاعدين والمتعاقدين..والنتيجة المرتقبة هي الهزائم المتكررة التي سوف تصل إلى إنهاك رصيد الحركة الذي يريده البعض أن يكون : صفرا على الشمال!؟ وتلك قرة عين المفلسين.
- والخطر الداهم : ويتمثل في بقاء أقل من 10%يعملون في الميدان ويتعبون ويكدحون (بإخلاص وتجرد وأخوة وثبات..إلخ) ويتحملون المسؤولية وحدهم، مقابل 90% من الرصيد الميت من الذين يتفرجون وينقدون وينتظرون النتائج،
• فإن جاءت إيجابية عضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ
• وإذا جاءت سلبية فرحوا بها؟؟
هؤلاء الكسالى (العاطلون الناقدون) لم يولدوا كسالى، بل إكتسبوا هذا الكم الهائل من الكسل (ومن قلة العمل) لأنهم يعتقدون أن مجرد كونهم ينتمون إلى تيار إسلامي كفيل بأن يحقق لهم النصر، وعندما يقعون في هذه المغالطة يتحول إعتقادهم إلى منهج عمل ينسفون به قاعدة "وأعدّوا" التي إجتمعنا عليها.
- فتقسو قلوبهم وتقل أعمالهم وتكثر أخطاؤهم..فتتشابه أقوالهم.
- ويتعودون على الإسترخاء في الكسل، فإذا إقتربت منهم أصابتك العدوى.
- ويصبح تفكيرهم ومزاجهم ونظرتهم إلى الحياة قائمة على ثقافة "الخوالف" فإذا دعوا إلى الخروج إلى الميدان إعتذروا : "وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف" التوبة : 86، 87، مع أن هذه الآية نزلت في المنافقين إلاّ أن النفاق – كما تعلمون- ثلاثة أنواع :
- نفاق عقيدة، وهو أقرب إلى الكفر..فإذا بالغ أصحابه أُلحقوا بالكفار.
- ونفاق عمل، وهو سلوك ناجم عن حالة عدم إستقرار وعدم توافق بين ما في القلب من إعتقاد وما يروّج له اللسان من أقوال.. وما تجترحه الجوارح بالليل والنهار.
- ونفاق مصلحة، صاحبه "المؤمن كسول" يتصيد الفرص، وينتظر ميلان كفة النصر إلى جهة ضد أخرى ليحدد موقفه مع المعسكر الفائز ولا يهمه ولاء ولا براء ولا "بيعة" ولا عهد..المهم أن ينال حصته من الغنيمة، وهذا الصنف من الكسالى القاعدين العاطلين الناقدين هم الذين عناهم النص القرآني بعموم اللفظ في قوله تعالى   : "الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستوحذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين.."النساء : 141.

- إذا فتح الله عليكم الخيرات والبركات..وجدتموه في مقدمة المهنئين.
- وإذا حاقت بكم الهزيمة سارعوا بتقديم التهاني لمن كان سببا في هزيمتكم بحق أو بباطل.

فما هو العلاج؟ وهل عدوى الإسترخاء في ظل الكسل مرض خبيث أم هي "أنفلوانزا سياسية" ناجمة عن عطالة تربوية يمكن الوقاية منها بالتدابير التربوية والإجراءات التنظيمية، وهل إذا أصيب بها بعض الأفراد أمكن وضعهم في غرف  "الحجْر الصحي" ومعالجتهم بالدورات التدريبية المكثفة حتى يشفوا تماما من عللهم ويتخلصوا من هذه العدوى المتنقلة عبر مجالسة "حزب المفلسين" من عشاق القيل والقال.

إن أفضل علاج للكسل هو الوقاية منه بالإبتعاد عن "حزب الكسالى" فالكسل له عدوى أخطر –في فتكها وتدميرها للمشاريع- من طاعون الإيدز؟؟
وجرّب هذه الحكمة إذا أردت أن تتخلص من كسلك، فلا تقرأ كتابا في فضائل النشاط، ولا تتناول حبوبا منشطة، وإنما خالط العاملين المخلصين، وسوف ترى النتائج الباهرة في أقل من شهرين.

إن الذي يعيش مع المتفائلين أربعين (40) يوما يصبح إنسانا متفائلا مثلهم، والذي يخالط المتشائمين أربعين (40) ليلة لا ينام إلاّ على الهزائم المتلاحقة، التي يحمَّل غيره تبعاتها فيمتلئ قلبه بالإحن و الأحقاد، ولا يرى في نومه إلاّ الكوابيس المرعبة، لذلك إحذر من صحبة خمسة (05) أصناف من الناس (لا تقترب منهم ولا تجالسهم ولا تخالطهم في دين ولا في سياسة ولا في تجارة..الخ))، وهم :
- الذين يسقطون قبل أن يتلقوا الضربة ثم لا ينهضون بعدها.
- والذين يقولون لك، مع بداية كل جولة، لا أمل في الصراع، فالمعركة محسومة والنتائج معروفة.
- والذين يبحثون عن حل لمشكلاتهم وعن "تكفل" بانشغالاتهم، فيحولون المؤسسات إلى "ديار للعجزّة" ورياض لللأطفال..
- والذين إذا كانوا في القيادة تحدثوا عن الحركة وعن مؤسساتها بما جاء في الصحيحين، (فكل ما فيها متفق عليه..ورواه الشيخان)فإذا خرجوا، أو أخرجوا، منها قرأوا عليها وعلى العاملين فيها كتاب "تلبيس إبليس"؟؟ ووصموا كل حديث يخرج منها وكل تصريح يصدر عنها بأنه "لآليء مصنوعة في الأحاديث الموضوعة".

فأسقط هذه الأصناف الخمسة من حساباتك..ثم توكل على الله.

فائدة عظيمة : يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام : "المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل" وهذه قاعدة عظيمة لإكتساب القوة، لأن الصحبة من الدين، فمن جالس "حامل المسك" تعطّر بريحه ومن ركن إلى "نافخ الكير" أصابه شرره وسواده..وهكذا فمن يصاحب الناجحين ينتهي به حاله إلى النجاح، ومن يخالل الفاشلين يؤول أمره إلى الفشل، فإذا إكتشفت في نفسك عادة سيئة فلا تحاول نقلها إلى غيرك (لأنها فيك) وهي مصيبة والمصيبة إذا عمت خفّت..بل جاهد نفسك  لإزالتها، والتخلص منها..وإلاّ فصاحِبْ من تتوفر فيه عادة نقيضة لعادتك، فتقتلها لأن "الحسنات يذهبن السيآت" هود: 114، ومثال ذلك : إذا كنت لا تستقيظ لصلاة الفجر مثلا لأن نومك ثقيل وقلبك عليل وحظك في كثرة الحظى إلى المساجد قليل.. فلا تعلل نفسك بأن القلم مرفوع عن ثلاثة (منهم النائم حتى يستيقظ) بل صاحب محافظا على صلواته الخمس (05) في المساجد أربعين (40) يوما، فإنك سوف تتخلص من حالة الإسترخاء وقت "الصلاة خير من النوم"!؟

فابتعد عن الذين "يشاطرونك عيوبك" ويجاملونك على حساب الحق واجعل بينك وبينهم "إفشاء السلام" وما هو من حق المسلم على المسلم..وابتعد نهائيا عن الذين يحاولون نقل عداوة تشاؤمهم إليك، فكثرة التشاؤم إحتجاج على الله، والمبالغة في الشكوى والتذمر فيه تسخُّط على مشيئة الله وكفران بقضائه وقدره.."فارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"، وأعلم أن فقراء كثيرين عاشوا كل حياتهم سعداء وناجحين، لأنهم عاشوا من أجل هدف نبيل، فعملوا له وماتوا من أجله، وبالمقابل عاش كثير من الأثرياء الكبار في حضيض التعاسة والمذلة والهوان.. لأنهم كانوا تعساء الحظ، فعاشوا طول حياتهم لهدف خسيس هو: نقل عدوى تعاستهم إلى من يحيط بهم. وأكثِرْ من دعاء عظيم، دعا به سليمان (عليه السلام) يُُذهب الله به عنك الكربات : "ربَّ أوزعني أن أشكر نعمتك عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأخلني برحمتك في عبادك الصالحين"..آمين، والحمد لله رب العالمين