يقول مورتيمر أدلر: "الشخص الذي يقول إنه يعرف ما يفكّر فيه، لكن لا يمكنه التعبير عنه، عادة لا يعرف فيما يفكر".
كلّما تقدم بنا العمر، كلما أصبح تعلّم شيء ما جديد أمرًا معقدا ومملا ويستغرق وقتًا أطول من ذي قبل، وأصبح الحديث عن هؤلاء العباقرة الصغار الذين يتحدّثون خمس لغات مختلفة، وكذلك الحديث عن كيفية تمكّنهم من ذلك؟ هو حديثنا المفضّل وقت تناول العشاء.
ومع ذلك فإن إتقان مواضيع غير مألوفة، سواءً إن كنت لا تزال في المدرسة أو لا، لا يجب أن يكون أمرًا مؤلمًا للغاية؛ وفي هذا الصدد عليك بتصديق عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل، ريتشارد فاينمان، لقد عثر فاينمان على طريقة مكوّنة من ثلاث خطوات من شأنها جعلك تتعلّم أي شيء ليس فقط بشكل أسرع، لكن أيضًا على مستوى أعمق. وتسمى تلك الطريقة بتقنية فاينمان وأكثر ما يميّزها أنها بسيطة بشكل لا يصدق، يقول الكاتب شين باريش: "لقد فهم ريتشارد فاينمان الفرق بين معرفة شيء ما، ومعرفة اسم شيء ما، ويعد ذلك أحد أهم أسباب نجاحه".
ماذا يعني ذلك؟ لقد شرح فاينمان ذلك ذات مرة خلال مقابلة أجريت معه، قائلًا: "قد يُريك أحدهم طائرًا صغيرًا ذا صدر ذهبي اللون ويخبرك أنه طائر السمنة المغرّد بنيّ الحنجرة، وقد يخبرونك أيضا أنه يدعى بالألمانية "هالزنجفيجل"، وبالصينية "تشونغ لينغ". وقد تظل متذكرًا تلك الحقائق كلّها لبقية عمرك، لكنك ستظل لا تعرف شيئًا فعليًا عن ذلك الطائر؛ لن تعرف شيئًا عن مكان معيشته، وكيفية هجرته وما يبدو عليه صوته".
ويعد هذا مثالاً واضحًا لوجهة نظر فاينمان، التي يمكن تطبيقها على مواضيع أكثر تعقيدًا.
على سبيل المثال، إننا نعرف أن المياه موصلة للكهرباء، وتعتبر تلك المعرفة جزءًا جوهريًا في طريقة فهمنا للعالم من حولنا، لكن الكيفية التي يحدث بها ذلك لم يكتشفها العلماء إلا بعد 200 عام من البحث.
وفيما يلي تقنية ريتشارد فاينمان للتعلّم ممثلة في ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: أكتب عن الموضوع الذي تتعلّمه وكأنك تُعلِّمه لطفل
أخرج ورقة بيضاء فارغة وأستهلها من الأعلى بكتابة الموضوع الذي تودّ تعلمه. أسهب في كتابة ما تعرفه عن الموضوع كما لو أنك تعلّمه لطفل ذي ثماني سنوات، لديه حصيلة مفردات ومدى انتباه كافيين لفهم المفاهيم والعلاقات الأساسية.
يميل الكثير من الناس لاستعمال مفردات ولغة اصطلاحية معقّدة كنوع من أنواع التَقنُع، عندما لا يفهمون شيئًا ما. المشكلة هنا أننا فقط نخدع أنفسنا لأننا لا نعرف أننا لا نفهم، بالإضافة إلى أن استعمال الرطانة أو اللغة الاصطلاحية، يخفي فهمنا الخاطئ عن أولئك المحيطين بنا.
لكن عندما تستفيض في كتابة فكرة ما من البداية وحتى النهاية، باستخدام لغة بسيطة وسهلة يمكن لطفل فهمها (ينصح باستعمال فقط الكلمات الأكثر شيوعًا)، أنت بذلك تجبر نفسك على فهم المفهوم على مستوى أعمق كما تقوم من خلال ذلك بتبسيط العلاقات والروابط بين الأفكار، إذا اجتهدت في عمل ذلك، فستحظى بفهمٍ واضحٍ يُمكنك من معرفة مواضع الثغرات المعرفية التي لديك.
الخطوة الثانية: المراجعة
في الخطوة الأولى، حتمًا ستقابل ثغرات في معرفتك حيث تنسى شيئًا ما هامًا، أو تكون غير قادر على شرحه أو ببساطة مواجهة مشكلة في توصيل مفهوم ما هام.
هذه نتائج لا تقدّر بثمن لأنك من خلالها قد اكتشفت حدود معرفتك، الجدارة هي معرفة حدود قدراتك، ومن هنا يبدأ التعلم. الآن تعرف الأشياء التي ينقصك تعلّمها بشكل أفضل، عد إلى المصدر الذي تتعلّم منه وأعد تعلّمها حتى يمكنك شرحها بمصطلحاتها الأساسية.
ومن مزايا تحديد حدود فهمك؛ الحدّ من حدوث الأخطاء المعرّض للوقوع فيها، كما يزيد من فرصتك في النجاح عند تطبيق المعرفة.
الخطوة الثالثة: التنظيم والتبسيط
الآن لديك مجموعة من الملاحظات التي دوّنتها بيدك، راجعها كي تتأكّد أنك لم تقتبس عن طريق الخطأ أي مصطلحات من المصدر، قم بتنظيم هذه الملاحظات بشكل مبسّط وسلس، اقرأها بصوت مرتفع، إذا كان الشرح غير سهل أو مربك يعد ذلك إشارة جيّدة تُنبهك بأن فهمك لهذا الجزء لايزال في حاجة لمزيد من العمل والتقوية.
الخطوة الرابعة (اختيارية): النقل
إذا أردت أن تتأكد من فهمك للموضوع، اشرحه لشخص ما أو أشخاص، مثلاً أطفال في الثامنة من عمرهم، ومعهم أصدقاء أو صديق بالغ، إذا لم يفهموا شيئًا ما في شرحك ولم تستطع أنت القيام بشرحه فاعلم أن لديك ثغرة أخرى. تُعدّ قدرتك على نقل ما عرفته لشخص آخر الاختبار النهائي لمعرفتك.
وذلك كل ما تنطوي عليه تقنية فاينمان.