تنبع أهمية الثعالبي من كونه شخصية تمتعت بثبات قوي على المبدأ وإيمان عميق بالقضية، وفي نفس الوقت تميزت بالقدرة على التكيف مع التطورات والتغيرات للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة.
تربى تربية دينية منذ صغره. درس في المعهد الديني الملحق بجامع الزيتونة بتونس، وحصل على شهادة التطويع وهي أعلى شهادة في المعهد آنذاك.
طرح ملاحظات كثيرة على أسلوب التدريس في المعهد، ورأى أنه لا يمكن أن يكون أسلوبا ناجحا في تثقيف الشباب التونسي ثقافة إيمانية وتحررية تدفعه إلى العمل على التخلص من الاحتلال الفرنسي، فاصطدم بمشايخ جامع الزيتونة الذين رأوا في آرائه تحديا لمنزلتهم الدينية والعلمية والاجتماعية.
بدأ بعمله النضالي منذ مراهقته، حيث كرّس قلمه للكتابة في الصحف مقالات تدعو إلى الاستقلال والحرية، وعندما أصبح في التاسعة عشرة من عمره أصدر أول صحيفة له وأسماها "سبيل الرشاد"، ثم صحيفة "المنتظر" و"المبشر" وقد تعرضت جميعها للغلق من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي التي خشيت من جرأة محررها وخطورته على وضعها في البلاد.
قام برحلات مكوكية في العقد الأول من القرن العشرين بين تونس ومصر والإستانة (إسطنبول) في محاولة لتحفيز العثمانيين على دعم القضية التونسية ومساعدة التونسيين في التخلص من الحماية الفرنسية التي فرضت على تونس بموجب معاهدة باردو بين باي تونس أو معاهدة قصر السعيد عام 1298 للهجرة (1881 للميلاد).
جال خلال هذه الرحلة بلاد الشرق والتقى الكثير من الزعماء السياسيين والدينيين في عدة بلدان، وقد ألغت هذه الرحلة أفكارا سابقة كان يحملها عن ضرورة الاستفادة من الخبرات الغربية وتسخيرها لخير بلاده وبلاد العرب والمسلمين عامة. إلا أنه بعد هذه الرحلة، أدرك أن لا علاقة مع الغرب سوى علاقة المقاومة للتخلص من الاحتلال.
سافر إلى فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ليمثل تونس في مؤتمر الصلح، وهناك التقى الزعيم الوطني المصري سعد زغلول وفيصل الذي كان للتو قد توج ملكا على العراق، وعمل معهم على تنسيق الجهود للتخلص من الاحتلال الأوروبي للبلدان العربية.
أحس الفرنسيون بنشاطه فقبضوا عليه وسجنوه لعدة أشهر ونقلوه من سجن إلى سجن في أنحاء فرنسا ليقطعوا اتصاله بالعالم الخارجي، وقد استقبل استقبال الأبطال بعد عودته إلى تونس.
وفي هذه المرحلة أدرك أن المشهد السياسي العالمي والعمل السياسي قد تغير, أصبح يتخذ شكلا مختلفا ولم تعد المناداة بالمطالب السياسية تعتمد على الخطب وحشد التأييد الشعبي، بل يستلزم الأمر قاعدة منظمة ينطلق منها العمل السياسي الذي يستمد شرعيته من تأييد الجماهير لأهدافه. فأسس في هذه المرحلة أول حزب سياسي تونسي -الحزب الدستوري الحر- وقد استفاد من خبرته السابقة في حركة تونس الفتاة في بناء حزبه.
وفي عام 1341 للهجرة (1923 للميلاد)، سافر في رحلته الثانية التي دامت 14 عاما، والتي أخذته إلى بلاد عديدة في المشرق العربي وجنوب آسيا وأواسط آسيا، حيث بنى صلات قوية مع الزعماء المسلمين في تلك البلدان ونادى بعودة الخلافة الإسلامية وإحياء الجامعة الإسلامية.
زار الهند لدعم المسلمين هناك وحذر من سرقة غاندي للثورة على الاحتلال البريطاني من مسلمي الهند، وما تبعه من تفريغ البلاد من المسلمين بالاتفاق مع البريطانيين لتنخفض أغلبية المسلمين وتعطى للهندوس، وهو ما حدث عندما فصلت باكستان وبنغلاديش ذات الغالبية المسلمة عن الهند، فانخفض عدد المسلمين في الهند بنسبة الثلث.
عمل كذلك خلال وجوده في الهند على التواصل مع الطبقة المحرومة من غير المسلمين، وكتب تقريرا مفصلا عن أحوال الهند يعتبر إلى اليوم مرجعا مهما عن الوضع السياسي للهند بصفة عامة والمسلمين الهنود بصفة خاصة.
تمتع باحترام بالغ أينما حل، وعمل عن قرب مع الحاج أمين الحسيني في فلسطين، ووضع نفسه وأفكاره في خدمة القضية الفلسطينية. أطلقت عليه الصحافة الفلسطينية لقب "ابن خلدون الجديد"، بعد أن ألقى محاضرات وكتب مقالات لتوعية الشباب الفلسطيني بخطر الاحتلال البريطاني لفلسطين والخطر الصهيوني القادم، وكان يستخدم لغة سلسة مفهومة للمواطن البسيط ويدعم أفكاره بأدلة فلسفية وعقلية مبسطة.
ذهب إلى العراق، وأنزله العراقيون منزلة عالية وبنى مع علمائهم علاقة وطيدة، وأرسله الملك فيصل الأول ليمثل العراق في مؤتمر الخلافة الذي عقد في القاهرة، والذي كان الملك فؤاد -ملك مصر- يسعى من خلاله إلى إعلان نفسه خليفة بعد نهاية الخلافة العثمانية.
عاد الثعالبي إلى بلاده تونس بعد هذه الرحلة إلى الشرق وعمله عن قرب مع زعماء وقادة المشرق العربي، وقد تغيرت قناعته، وبانت خصائص شخصيته البراغماتية، حيث لم يخفِ -وهو الرجل الإسلامي التوجه- أن الوحدة الإسلامية لم تكن الحل في تلك المرحلة وإنما يجب أولا إنجاز الوحدة العربية كخطوة أولى.
استقر بعد رحلته الطويلة في تونس، وكان قد بلغ من العمر 61 عاما، وتوفي بعدها بسبع سنين.