في قمة التوحُّش الأمني الذي يديره نظام الانقلاب العسكري، أصدرت محكمة الطفل ببنها حكماً همجياً بسجن طفلين لم يتجاوزا 18 عاماً 10 سنوات كاملة بتهم "الإرهاب" المزعومة، مرتبطة بـ"نشاط رقمي" عادي على الإنترنت.

 

هذا الحكم الذي أدانته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ببيانها الرسمي يوم 23 ديسمبر 2025، ليس مجرّد انتهاك لقانون الطفل، بل اعتداء ممنهج على حقوق الإنسان الأساسية، يُظهر كيف حوَّل النظام القضاء إلى أداة قمع سياسي تطال حتى الأطفال، مفضحاً فشل سياساته الأمنية الاستباقية التي تُجرِّم الوجود الرقمي بدل مكافحة الإرهاب الحقيقي.

 

محاكمة صورية مفضوحة: تجاهل التقارير الاجتماعية وانتهاك كل ضمانات العدالة

 

القضية رقم 4240 لسنة 2024 شهدت محاكمة سريعة افتقرت لأدنى شروط العدالة، حيث لم تستمع المحكمة لأقوال الطفلين أو مرافعة محاميهم، وتجاهلت طلبات الدفاع مثل سماع شاهد الإثبات.

 

بدأت الجلسات في 18 نوفمبر 2024، ولم تُمكَّن الدفاع من الحصول على نسخة كاملة من الأوراق، واكتفت بالاطلاع السريع، بينما استمعت لمرافعة النيابة التي اعتمدت على "اعترافات" غير مثبتة.

 

الحكم صدر دون استجواب الطفلين أو حتى سماع النيابة كاملة، في انتهاك صارخ للمادة الأولى من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، الذي يُعرِّف "الجماعة الإرهابية" بثلاثة أشخاص على الأقل – وهنا طفلان فقط متهمان!

 

الأفظع أن تقرير الأخصائي الاجتماعي أكد عدم وجود أي انحراف أو خطورة لدى أحد الطفلين، وأوصى بتسليمه لأهله، لكن القاضي تجاهله تماماً، مفضلاً رواية الأمن.

 

هذا ليس عدلاً، بل إعدام للعدالة باسم "الأمن القومي"، يُثبت أن النظام يُفضِّل عقاب الأبرياء على مواجهة الجناة الحقيقيين.

 

إخفاء قسري وتحقيقات تعذيبية: من نيابة الطفل إلى أمن الدولة العليا

 

نُقل الطفلان من محل سكنهما إلى القاهرة الجديدة وعُرِضا أمام نيابة أمن الدولة العليا شأنهما شأن البالغين، حرماً من ضمانات قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996.

 

الطفل محمد عماد، أمريكي من أصل مصري يقيم بالولايات المتحدة، اختُطِف من منزل أسرته في 19 أغسطس 2024 أثناء إجازة صيفية، وظل مُخفياً قسرياً أكثر من أسبوعين دون إخطار أهله.

 

ظهر في 5 سبتمبر أمام النيابة في جلسة تحقيق واحدة دون أدلة، معتمدة على محضر تحريات أمني واحد.

 

النيابة اعتبرت الإخفاء "تحفظاً قانونياً" بموجب المادة 40 من قانون الإرهاب (14 يوماً)، لكنها أغفلت المادة 41 التي تكفل الاتصال بالأهل والمحام.

 

اتهِمَ الأول بـ"تأسيس جماعة إرهابية وقيادتها"، والثاني بـ"الانضمام والتمويل والاشتراك في اتفاق جنائي" – اتهامات سخيفة تُخالف التعريف القانوني، وتُثبت أن النظام يُحوِّل الأطفال إلى "إرهابيين" لتبرير الاعتقالات التعسفية.

 

توحُّش النظام ضد الطفولة: شيطنة النشاط الرقمي وفشل استراتيجية "الإرهاب المصطنع"

 

هذه القضية جزء من حملة النظام لجرِّم طيف واسع من المواطنين عبر قانون الإرهاب المعيب، الذي أصدر بعد 10 سنوات فشل في مكافحة الإرهاب الحقيقي، مفضلاً اضطهاد الأطفال والشباب.

 

النشاط الرقمي العادي يُحوَّل إلى "إرهاب" لإسكات الجيل الجديد، في تحول الدولة إلى شرطي رقمي يُراقب كل نقرة.

 

المحامي حازم عبد العزيز، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أكَّد في تصريحات سابقة أن "هذه الأحكام تُفضح استخدام القضاء كأداة سياسية، وتحويل قانون الإرهاب إلى سيف معلق على رقابة الأطفال بدل الجناة الحقيقيين".

 

وأضافت الدكتورة مها عبد الناصر، من المركز المصري لحقوق الإنسان: "النظام يُدمِّر اتفاقية حقوق الطفل الدولية، ويُحوِّل السجون إلى حضانات للمعارضين الصغار، في جريمة ضد المستقبل نفسه. حكم 10 سنوات لطفلين بريئين هو إعلان حرب على الطفولة المصرية".

 

في الختام، هذا الحكم ليس خطأ قضائياً، بل سياسة دولة تُعادي شعبها، تُفشل قوانينها، وتُسجن أطفالها للحفاظ على كرسي السلطة. البراءة كانت النتيجة الوحيدة المنطقية، لكن النظام اختار الظلم ليُثبِّت هيمنته، مُضيفاً صفحة سوداء جديدة إلى سجل انتهاكاته اليومية.