كانت حرب الإبادة الجماعية على غزة، اختبارًا حقيقيًا للإنسانية، بعد أن ظل العالم يتابع ويلات تلك الحرب المدمرة على مدار عامين، والتي لم تبق حجرًا على حجر في القطاع، ليتحول من أكبر سجن في العالم، إلى أكبر مقبرة جماعية يقف الكل إزاءها صامتًا وعاجزًا.
لكن الضمير الإنساني سيظل متذكرًا لهؤلاء الذين رفضوا التماهي مع المجازر اليومية وهم يصرخون رافضين لمشاهد الدماء، وحملات التجويع والموت البطيء التي يمارسها الكيان الغاصب على مرأى من العالم.
"عمال الموانئ لا يعملون من أجل الحرب"
من بين هؤلاء الذين قدموا نموذجًا يحتذى به كان عمال الموانئ في إيطاليا الذين تجمعوا في جنوة في سبتمبر الماضي، تحت شعار: "عمال الموانئ لا يعملون من أجل الحرب"، لمنع مغادرة السفن المحملة بشحنات عسكرية من الموانئ الأوروبية إلى "إسرائيل"، والمطالبة "بإنهاء الإبادة الجماعية" في غزة.
وأصدرو بيانًا وقتها تضمن مجموعة من المطالب، على رأسها: وقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني التي تقوم بها "إسرائيل"، بدعم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، والفتح الفوري للممرات الإنسانية للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الجوع.
كما دعا عمال الموانئ في إيطاليا جميع نقابات عمال الموانئ الأوروبية وعمال الموانئ إلى التوقف عن شحن الأسلحة إلى "إسرائيل"، قائلين: "ندعو الجميع إلى الاحتجاج والتعبئة وإيصال رسالة موحدة مفادها أننا لسنا متواطئين في هذه الحرب".
وقبل ذلك بشهر، لفت ريكاردو رودينو، قائد في جماعة عمال الموانئ بصفته قائدًا لاحتجاج، عندما ألقى خطابًا انتشر على نطاق واسع عبر الإنترنت، حذّر فيه من أنه إذا منعت إسرائيل "أسطول الصمود" فإنهم "سيوقفون كل أوروبا"، مضيفًا: "لن يغادر مسمار واحد من جنوة إلى إسرائيل".
تقدير كبير لموقف العمال الإيطاليين
وكان هذا الموقف محل احترام كبير من قبيل الرافضين للحرب العدوانية على غزة، بخاصة وأنه لم يكن مجرد شعار أو هتاف، بل لكونهم قادرين على تنفيذ تهديدهم بالفعل، وشل حركة الموانئ في إيطاليا، وجميع الموانئ الأوروبية، وهو ما من شأنه أن يوجه ضربة قوية لخطوط الإمداد الغربية للكيان الصهيوني.
وقارن الكثير بين موقف عمال الموانئ الإيطاليين وما كشفته تقارير صحفية عن استقبال مصر لسفينة محملة بمواد متفجرة متجهة إلى "إسرائيل" تحمل اسم (كاثرين) في 28 أكتوبر 2024، بعد أن رفضت عدة دول استقبالها.
وهو الموقف الذي عبّر عنه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لدى استقباله أجوستينو باليزى، سفير إيطاليا بالقاهرة، يوم الاثنين، بمقر مشيخة الأزهر، موجهًا تحية خاصة لعمال الموانئ الإيطاليين الذين رفضوا تحميل السفن بالأسلحة لقتل المدنيين فى غزة، واصفًا هذا الموقف بأنه موقف إنسانى عظيم يدل على عظمة وإنسانية الشعب الإيطالي، ويعكس ضميرًا حيًّا وإنسانية صادقة.

