قال معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)، إن إقرار اتفاقية الغاز الطبيعي بين "إسرائيل" ومصر، بقيمة 34.7 مليار دولار يمثل نقطة تحول هامة في المشهد الاستراتيجي لشرق المتوسط، ويُبرز التزام "إسرائيل" بتزويد السوق المصرية بنحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040، كلاعب رئيس في قطاع الطاقة.
وأضاف أنه على الرغم من تزايد التقلبات الإقليمية في السنوات الأخيرة، دفعت القيود الأساسية لأمن الطاقة مصر و"إسرائيل" إلى مستوى من التكامل كان يبدو مستبعدًا قبل عقد من الزمن.
عوائد الاتفاقية على مصر و"إسرائيل"
وأوضح: "بالنسبة لمصر، تعالج الاتفاقية تحديًا هيكليًا متفاقمًا يتمثل في انخفاض الإنتاج المحلي من حقل ظهر، والزيادة المستمرة في الطلب على الكهرباء، والضغوط المتكررة على الميزانية العامة نتيجة لواردات الطاقة"، مشيرًا إلى أن الغاز "الإسرائيلي" يوفر لمصر الاستقرار والقدرة على التنبؤ والتكلفة المعقولة على نطاق كافٍ لدعم استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.
في المقابل، رأى أن "بالنسبة لإسرائيل، يساهم الاتفاق في تحقيق أهداف استراتيجية رئيسة، منها أن "تعزيز التعاون في مجال الطاقة، لا سيما في البنية التحتية الحيوية والتخطيط الوطني، من جانب كلا الجانبين، يساهم في رفع التكلفة الاقتصادية للتصعيد. ويعزز هذا الترابط الأسس العملية للاستقرار، ويزيد من دوافع ضبط النفس في أوقات التوتر".
وأكد التقرير أن القيمة الاستراتيجية للاتفاقية من وجهة نظر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تكمن في تشكيل بنية طاقة تعاونية موالية للغرب في شرق المتوسط. وفي وقتٍ يُستخدم فيه قطاع الطاقة بشكل متزايد كأداة ضغط سياسي من قِبل قوى تتحدى الغرب، تُقدّم إسرائيل مصدرًا موثوقًا للإمدادات يرتكز على الشفافية التنظيمية، والتوافق السياسي، والشراكة التجارية الأمريكية".
وذكر أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، يعمل الاتحاد الأوروبي على تقليل اعتماده على الغاز الطبيعي الروسي، لذا فهو ينظر إلى الغاز الإسرائيلي باعتباره يشكل مصدرًا للإمدادات ذو قيمة استراتيجية، وإن لم يكن بديلاً.
وقال إنه من خلال منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) تساهم "إسرائيل" في إطار تعاوني يربط بين الإنتاج والبنية التحتية ومسارات التصدير في المنطقة. وتتلخص آلية العمل في أن "إسرائيل" تنتج الغاز، بينما توفر مصر إمكانيات التسييل عبر منشآت الغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط، "وهذا يجعل الغاز "الإسرائيلي" مادة خام أساسية في تنويع مصادر الطاقة الأوروبية، مما يتيح تصديرًا مستقرًا للغاز الطبيعي المسال إلى محطات في أوروبا، بما فيها ألمانيا وإيطاليا واليونان.
التداعيات الجيوسياسية للاتفاقية
وتحدث المعهد عن التداعيات الجيوسياسية الاوسع للاتفاقية. فقد سعت روسيا إلى استغلال وجودها العسكري والسياسي في سوريا وليبيا للتأثير على طرق الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، في حين أن عقيدة "الوطن الأزرق" التركية تتحدى الحدود البحرية القائمة لليونان وقبرص و"إسرائيل".
وقال إن تعزيز محور "إسرائيل"-مصر-اليونان-قبرص ودمجه في هياكل تجارية موالية للغرب يحد من القدرة على فرض الإكراه من جانب واحد. كما أن المشاركة الكبيرة لشركة شيفرون الأمريكية في حقل ليفياثان تربط المصالح التجارية الأمريكية بأمن البنية التحتية للطاقة في شرق المتوسط، وتعزز المنطق الاستراتيجي لاستمرار التواجد الأمريكي في المنطقة.
استقرار "المعسكر البراجماتي" الإقليمي
ورأى في الوقت ذاته أنه بالنسبة للولايات المتحدة، يظل استقرار مصر مصلحة استراتيجية رئيسة. فنقص الطاقة يؤدي إلى ضغوط على الميزانية، وركود صناعي، وتفاقم المخاطر الاجتماعية، وهي ظروف تخلق فرصة للنفوذ الروسي أو الصيني.
وبين التقرير أنه من خلال مساهمتها في أمن الطاقة المصري، تدعم "إسرائيل" بشكل غير مباشر أهداف الولايات المتحدة في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية. ويتحقق هذا التأثير المُرسِّخ دون الحاجة إلى التزامات عسكرية أو مالية أمريكية إضافية، مما يؤكد قيمة الشراكة الإقليمية القائمة على آليات السوق.
وأبرز أيضًا التداعيات المحتملة للاتفاقية على مواقف مصر وتركيا في غزة، فرغم إعلان القيادة المصرية عدم وجود صلة بين الاتفاقية ومواقفها السياسية تجاه "إسرائيل" والحرب في غزة، إلا أنه "من الصعب عمليًا فصل مصالح الطاقة طويلة الأمد عن الاعتبارات الاستراتيجية الأوسع. فالترابط الوثيق في مجال حيوي كقطاع الطاقة لا يُلغي الخلافات السياسية، ولكنه يُسهم في اتخاذ موقف أكثر حذرًا، ويُعزز الحوافز للحفاظ على دور مصر كوسيط ومُستقر، لا كمُصعِّد للأوضاع".
الاجتماع بين السيسي ونتنياهو
وأوضح في هذا السياق، أنه ليس من قبيل المصادفة أن تُعتبر الاتفاقية عاملًا مُساعدًا على استئناف الحوار السياسي رفيع المستوى، بما في ذلك إمكانية عقد اجتماع بين عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء بينامين نتنياهو، وهو اجتماع يحمل في حد ذاته أهمية إقليمية، لا سيما في ضوء جهود مصر لكبح النفوذ التركي والقطري في غزة.
أما بالنسبة لتركيا، فأكد التقرير أن تعزيز محور "إسرائيل"-مصر-اليونان-قبرص من خلال التكامل في مجال الطاقة يُعمّق عزلة أنقرة النسبية في شرق المتوسط، ويُقلّل من قدرتها على استغلال قضية غزة لتحقيق توغل استراتيجي في المنطقة.
ولفت التقرير إلى أن جزءًا كبيرًا من الغاز مُخصّص للاستهلاك المحلي في مصر لتوليد الكهرباء والأغراض الصناعية، أما الكمية المتبقية فقط، فتخضع لظروف السوق والطلب، وتُخصّص للتسييل والتصدير إلى أوروبا. لذا، رأى أن الاتفاقية لا تُضرّ بأمن الطاقة "الإسرائيلي"، بل تُعزّزه من خلال خلق حافز اقتصادي واضح للاستثمار في توسيع الإنتاج وتعزيز المرونة الاستراتيجية لاقتصاد الغاز "الإسرائيلي".
https://jiss.org.il/navon-the-leviathan-cairo-accord/

