في مشهد يعكس فشلاً اقتصادياً مدوّناً، يتوقع استطلاع "رويترز" خفضاً رمزياً بـ100 نقطة أساس لأسعار الفائدة يوم الخميس المقبل من البنك المركزي المصري، بعد تضخم نوفمبر عند 12.3%، رغم أنه لا يزال يحصد من بين الأعلى عالمياً عند 21% على الودائع و22% على القروض.
هذا الخفض المتقطع، الذي يأتي بعد 550 نقطة منذ بداية العام، ليس إنجازاً بل اعترافاً متأخراً بانهيار السياسة النقدية لحكومة الانقلاب، التي دفعت الاقتصاد إلى حافة الهاوية عبر تعويمات وحشية وإنفاق بلا حدود، مما أفقر الملايين وأحرق مدخراتهم في سباق مع التضخم الذي يلتهم الجنيه يومياً.
بينما يتباهى النظام بـ"نصيب الفرد من الناتج المحلي" عند 21,759 دولار (الرابع إفريقياً)، يظل الواقع مرآة للفقر الهائل، حيث لا يصل هذا "النصيب" إلى جيوب المواطنين، بل يذوب في جيوب المقاولين العسكريين وديون خارجية تفوق 160 مليار دولار.
خفض رمزي لا يُنقذ اقتصاداً منهاراً
توقعات الـ14 خبيراً في استطلاع "رويترز" تكشف هشاشة المنظومة النقدية؛ فالخفض المرتقب إلى 20% على الودائع و21% على القروض لن يعيد الحياة إلى قطاعات الإنتاج الميتة، بل هو مجرد "ترقيع" لإنقاذ واجهة حكومة الانقلاب أمام عيد الميلاد.
أسعار الفائدة المرتفعة جداً، التي حافظت عليها لجنة السياسة النقدية طويلاً، قتلت الاستثمار الخاص ودفعت الشركات إلى الإفلاس، بينما الخفضات السابقة (225 نقطة أبريل، 100 مايو، 200 أغسطس) لم توقف النزيف.
ترى الدكتورة سالي صلاح، الخبيرة الاقتصادية، أن "هذا الخفض ليس سوى مسكن مؤقت لألم اقتصاد يعاني من سرطان هيكلي؛ فالتضخم عند 12.3% لا يزال مدفوعاً بصدمات حكومية كرفع الوقود والإيجارات، والبنك المركزي مجبر على الرقص على حبلين: دعم الحكومة في إنفاقها أو حماية المواطن من الفقر". تضيف صلاح أن "الفائدة العالية كانت جرعة سم للاقتصاد الحقيقي، والخفض الآن لن يعوض سنوات الإهمال، بل قد يُشعل التضخم من جديد إذا لم يُقطَع الإنفاق العسكري غير المنتج".
تضخم "مُدار" يخفي كارثة اجتماعية
انخفاض التضخم إلى 12.3% في نوفمبر، رغم زيادة الوقود والإيجارات، هو وهم إحصائي يُدار بالتلاعب في الأوزان والصدمات المؤجلة، كما يُشير إيفان بورغارا من "آي آي إف" إلى مخاطر رفع تعريفة الكهرباء في 2026. محمد أبو باشا من "هيرميس" يراه "ارتياحاً"، لكنه يتجاهل أن هذا التضخم يعني فقدان 70% من القوة الشرائية منذ 2022، مع ارتفاع الغذاء بنسبة 30% والإيجار 25%.
يصف سيف الدين عبد الفتاح، الخبير الاقتصادي، الوضع بأنه "كارثة اجتماعية مُقنّعة؛ حكومة الانقلاب تُدير التضخم كلاعب قمار يؤجل الانهيار، لكن الخفض المرتقب لن يوقف موجة الإفقار، فالفائدة العالية كانت عقاباً للمودعين الفقراء لتمويل مشاريع السيسي الفاشلة، والآن الخفض رمزي ليبدو النظام 'مسؤولاً'، بينما الدين الخارجي يبلغ 165% من الناتج المحلي".
يحذر عبد الفتاح من أن "نصيب الفرد الـ21,759 دولار هو كذبة إحصائية؛ فسيشيل (42 ألف دولار) وموريشيوس (33 ألف) بنتاها بديمقراطية واستقرار، بينما مصر تحت الانقلاب تُصنّف أدنى في التنمية البشرية رغم 'النمو' الوهمي".
"نصيب الفرد" الرابع إفريقياً: وهم يُغطي على الانهيار
تصنيف مصر رابعاً إفريقياً في نصيب الفرد (21,759 دولار) حسب صندوق النقد، خلف سيشيل وموريشيوس والجابون، هو دعاية فارغة؛ فكابو فيردي نمت 75% (2020-2025)، وليبيا 54% رغم الحروب، بينما مصر تتراجع اجتماعياً مع بطالة 7.3% وفقر 30%.
تُعلّق الدكتورة عالية المهدي بحدة: "هذا 'النصيب' وهم يُدار بالديون والتعويمات، لا بالإنتاج؛ حكومة الانقلاب حوّلت الاقتصاد إلى آلة استدانة لتمويل 'مدن الشبح' والجيش، فالفائدة العالية كانت لجذب دولارات ساخنة تهرب سريعاً، والخفض الآن يُعرّي هشاشة النمو الذي لا يتجاوز 3.5% حقيقياً.
الدول الإفريقية الأخرى تنمو باستقرار سياسي، بينما مصر تحت السيسي تُفقر شعبها لصالح حفنة مقربين". تضيف المهدي أن "الاجتماع في 25 ديسمبر ليس صدفة؛ إنه عرض مسرحي لتهدئة الأسواق قبل عطلة، لكن الاقتصاد المنهار يحتاج إصلاحاً جذرياً: وقف الإنفاق العسكري، دعم الإنتاج، ومحاسبة الفاسدين".
في الختام، خفض الفائدة المرتقب ليس انتصاراً، بل إقراراً بفشل استراتيجية حكومة الانقلاب التي حوّلت مصر من اقتصاد ناشئ إلى دولة مديونة مفلسة، حيث يدفع المواطن ثمن تعنت البنك المركزي وإسراف السلطة. الاستطلاعات والأرقام لا تخفي الواقع: نظام يُدار بالدعاية لا بالكفاءة، وشعب ينتظر تغييراً حقيقياً لا خدعاً رقمية.

