تقترب مصر من موسم رمضان وسط تحذيرات متصاعدة من خبراء الدواجن وممثلي الشعب التجارية من موجة ارتفاع جديدة في أسعار الدواجن، وشتاء قاسٍ على المزارع، وتكاليف إنتاج مشتعلة، وإغراق مدروس بالسوق المستورد، في ظل غياب تدخل جاد من حكومة الانقلاب لحماية صغار المربين أو تأمين موائد الفقراء.

 

شتاء قاسٍ.. فيروسات وتكاليف تخنق المزارع

 

يحذر الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة، من أن الحديث عن "استقرار نسبي" في الأسعار حاليًا يخفي وراءه كارثة قادمة، إذ إن زيادة الإنتاج الحالية جاءت على حساب خسائر ثقيلة لصغار المربين الذين يبيعون أحيانًا بأقل من تكلفة الإنتاج، ما يدفع كثيرين للتفكير في عدم دخول دورات جديدة مع دخول الشتاء. يضيف السيد أن انخفاض القوة الشرائية جعل السوق عاجزًا عن استيعاب الكميات المنتَجة، فتراجعت الأسعار في المزرعة بينما ظلت الأعباء كاملة على كاهل المربي، في معادلة تعني أن جزءًا واسعًا من المنتجين سيخرج من المنظومة قريبًا.

 

من جانبه، يؤكد الدكتور ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، أن الشتاء يمثل موسمًا قاتلًا للقطعان، حيث تتزايد معدلات الإصابات الفيروسية والأمراض التنفسية بسبب انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة، ما يؤدي إلى ضعف المناعة وزيادة النفوق، خاصة في المزارع الصغيرة التي لا تملك نظم تدفئة متقدمة أو قدرة على تحمّل كلفة الأدوية البيطرية والطاقة. ويشدد الزيني على أن أي عزوف من هؤلاء المربين عن الاستمرار في الإنتاج يعني مباشرة انخفاض المعروض في السوق ثم قفزة حادة في الأسعار مع زيادة الطلب في رمضان.

 

أصوات من المحافظات: خسائر في الإسكندرية وكفر الشيخ والمنصورة

 

في الإسكندرية، ينقل التاجر وعضو شعبة المواد الغذائية حازم المنوفي صورة مشابهة من أسواق التجزئة، موضحًا أن اضطراب المنظومة السِعرية في الدواجن والبيض خلال الأشهر الماضية أدى لخسائر فادحة لصغار المنتجين، حيث باع كثير منهم دون هامش ربح حقيقي، بينما استفادت الحلقات الوسيطة وشبكات السماسرة من الفارق بين سعر المزرعة وسعر المستهلك. ويحذر المنوفي من أن استمرار هذا الوضع، مع زيادة تكاليف التدفئة والأعلاف في الشتاء، سيدفع عددًا كبيرًا من المربين في الدلتا والساحل الشمالي إلى الخروج من السوق، ما يفتح الباب لاحتكار كبار المنتجين ورفع الأسعار متى شاؤوا.

 

وفي كفر الشيخ – إحدى أهم محافظات الدواجن في الدلتا – يصف مربٍ صغير مثل محمد عبد العال الوضع بأنه "نزيف مستمر"، موضحًا أن تكلفة الدورة الواحدة قفزت بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف والغاز والكهرباء، بينما يواجه المربون موجات أمراض شتوية لا تتناسب معها إمكانات الرعاية المتاحة في المزارع الريفية. ويؤكد أن كثيرًا من زملائه خفّضوا أعداد الدورات أو دخلوا نصف طاقة خوفًا من الخسارة، ما يعني عمليًا أن المعروض سيتراجع في الشهور المقبلة، بينما لا توجد أي سياسة حكومية لتعويض الفارق أو دعم مدخلات الإنتاج.

 

أما في المنصورة بالدقهلية، فيشير تاجر الجملة وعضو شعبة الدواجن بالمحافظة حسن المصري إلى أن السوق يعيش حالة "اضطراب متعمد"، حيث يظهر في بعض الفترات انخفاض ظاهري في الأسعار، لكن هذا الانخفاض لا يصل إلى المستهلك بالشكل الكافي، لأن سلاسل الوسطاء تتضخم على حساب هامش المربي والمستهلك معًا. ويضيف أن هذا الخلل البنيوي، في غياب رقابة حقيقية على التسعير وهوامش الربح، يهيئ لانفجار سعر الدواجن مع أي صدمة في المعروض أو ارتفاع إضافي في تكلفة الأعلاف أو الطاقة.

 

إغراق بالمستورد ودعم للكبار.. وانهيار للأمن الغذائي

 

يحذر الدكتور ثروت الزيني من أن إغراق السوق بالدواجن المجمدة المستوردة يتعارض تمامًا مع الحديث الرسمي عن دعم الإنتاج المحلي، بل يقوّض أي فرصة لاستقرار حقيقي في الصناعة على المدى المتوسط. فبينما تعلن وزارة الزراعة عن زيادات في الإنتاج وتوفر في الأعلاف، يسمح في الوقت ذاته بدخول كميات كبيرة من المستورد تضرب السعر في السوق وتحمّل المربين المحليين خسائر جديدة، ما يدفع الصغار للاعتزال ويبقي الكبار والمتعددين الجنسيات في واجهة المشهد.

 

في القاهرة، يلفت أحد أعضاء شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، مثل أشرف عبد الحميد، إلى أن دعم الدولة – حين يوجد – يذهب عمليًا للشركات الكبرى عبر تسهيلات في استيراد الأعلاف أو في أسعار الطاقة، بينما يظل صغار المربين تحت رحمة السوق، لا يحصلون على تمويل ميسر ولا حماية من الفيروسات ولا تأمين عادل على قطعانهم. هذا الخلل في توزيع الدعم يحوّل الصناعة إلى ملعب مغلق يحتكره كبار المستثمرين، بينما يختفي المربون الصغار الذين يشكلون العمود الفقري للأمن الغذائي في الريف والمدن.

 

في المحصلة، تؤكد تحذيرات خمسة أصوات من قلب القطاع – عبد العزيز السيد، ثروت الزيني، حازم المنوفي، ومربّي كفر الشيخ والمنصورة، إضافة إلى أصوات من شعبة القاهرة – أن ما يجري اليوم ليس أزمة عابرة بل مسار متعمد لتجريف صغار المنتجين وتحويل الدواجن إلى سلعة خاضعة للاحتكار والاستيراد والصدف الدولية.

 

ومع تجاهل حكومة الانقلاب لهذه الإنذارات، يدخل المصري البسيط رمضان وهو مهدد بفقدان آخر مصدر بروتين كان يعده "أرخص" المتاح، ليصبح الدجاج بدوره حلمًا مؤجلًا على موائد الفقراء.