أُصيب 10 من عناصر الشرطة الإسرائيلية، اليوم الخميس، خلال مواجهات عنيفة في القدس مع متظاهرين من “الحريديم”، على خلفية اعتقال شاب متهم بالتهرب من الخدمة العسكرية. الحادثة تُعد حلقة جديدة في سلسلة توترات متصاعدة بين الحكومة الإسرائيلية والتيارات الدينية المتشددة، في وقت يزداد فيه الضغط السياسي والقضائي لتوسيع التجنيد وتقليص الإعفاءات التي ظلت لعقود محور مساومات داخل الائتلافات الحاكمة.

 

تفاصيل المواجهات في القدس

 

قالت الشرطة الإسرائيلية، في بيان، إن مئات المتظاهرين هاجموا قواتها ورشقوها بالحجارة والقمامة، وألحقوا أضرارًا بعدد من المركبات، ما أسفر عن إصابة 10 ضباط. وأضافت أن قواتها دفعت بتعزيزات إلى موقع الاحتجاجات، واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود واحتواء الاضطرابات.

 

وبحسب ما نقلته مواقع إسرائيلية، شهدت المنطقة حالة فوضى شملت قلب سيارة صغيرة وتخريبًا في محيط المواجهات، قبل أن تعلن الشرطة اعتقال أربعة أشخاص ووصفتهم بـ“مثيري الشغب”. وفيما لم تتضح فورًا طبيعة الإصابات أو درجاتها، فإن الإعلان عن حصيلة بهذا الحجم يعكس مستوى احتكاك مرتفعًا في بؤر الاحتجاج داخل الأحياء الحريدية.

 

اعتقالات وتحذيرات من قيادة الشرطة

 

أكد المفوض العام للشرطة داني ليفي أن المؤسسة الأمنية ستعمل على “محاسبة جميع المتورطين”، واصفًا ما جرى بأنه “حادث خطير للغاية” لن يتم التساهل معه. تأتي هذه الرسائل في سياق سعي الشرطة لردع الاحتجاجات العنيفة التي باتت تتكرر عند تنفيذ أوامر اعتقال مرتبطة بملف التجنيد، وهو الملف الذي يُنظر إليه داخل إسرائيل كاختبار لقدرة الدولة على فرض القانون على جماعات ترفض الخدمة لأسباب دينية.

 

وتشير طريقة التعامل الميداني، بحسب البيان، إلى اعتماد تكتيكات تفريق تقليدية تشمل تعزيزات واسعة واستخدام وسائل تفريق مثل الغاز المسيل للدموع. إلا أن ذلك لا يمنع عودة الاحتجاجات بسرعة، خاصة مع تحول قضية التجنيد إلى عنوان تعبوي للحريديم في مواجهة الحكومة.

 

بن غفير على خط الأزمة

 

أدان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أعمال الشغب، معتبرًا أن “الاعتداء على ضباط الشرطة خط أحمر”، ومؤكدًا دعمه الكامل للقوات العاملة في القدس. ويكتسب موقف بن غفير دلالة إضافية في ضوء علاقته المتوترة مع بعض الأوساط الدينية المتشددة، إذ سبق أن تعرض لهجوم مع زوجته في بيت شيمش خلال مايو الماضي، قبل أن تتدخل الشرطة لتفريق المعتدين.

 

هذا التداخل بين الاعتبارات الأمنية والسياسية يضع بن غفير في موقع حساس؛ فهو من جهة مسؤول عن جهاز الشرطة وحفظ النظام، ومن جهة أخرى جزء من مشهد سياسي تُستخدم فيه قضية التجنيد كورقة ضغط متبادلة بين مكونات الائتلاف ومعارضيه، وبين الدولة والجمهور الحريدي.

 

جذور الاحتجاج: إلغاء الإعفاءات وقرارات القضاء

 

تأتي المواجهات ضمن موجة احتجاجات داخل الأحياء الحريدية اعتراضًا على تشديد ملاحقة المتهربين من الخدمة، بعد قرارات قضائية وحكومية قلّصت الإعفاءات الواسعة التي كان يتمتع بها طلاب المدارس الدينية. ويُعد هذا التحول من أكثر الملفات تهديدًا لتماسك المجتمع الإسرائيلي، لأنه يضرب ترتيبات تاريخية قامت على استثناءات جماعية لطلاب المعاهد الدينية مقابل استمرار التحالفات السياسية.

 

وفي يونيو/حزيران الماضي، سمحت المحكمة العليا في إسرائيل لوزارة الدفاع بتجنيد طلاب المعاهد اليهودية بعد عقود من الإعفاءات التي تعود عمليًا إلى سنوات ما بعد قيام دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، اتسع نطاق الجدل حول آليات التنفيذ، والعقوبات المحتملة، وحدود قدرة المؤسسات الأمنية على فرض التجنيد على فئات ترى في الخدمة العسكرية تعارضًا مع نمط حياتها الديني.

 

تداعيات محتملة: الانقسام والائتلافات تحت الضغط

 

يرى مراقبون أن استمرار الاحتكاكات قد يُعمّق الانقسام بين التيارات العلمانية والمتدينة، ويزيد الضغوط على الحكومة في إدارة توازناتها الداخلية. فالحريديم يمثلون كتلة سياسية واجتماعية مؤثرة، وأي تشدد في فرض التجنيد قد يدفع إلى تصعيد احتجاجي أوسع، بينما التراجع أو التساهل قد يثير غضب فئات أخرى تطالب بما تسميه “عدالة التجنيد” في ظل حروب واستدعاءات متكررة للاحتياط.

 

في المحصلة، تكشف إصابة 10 ضباط في القدس عن أن أزمة التجنيد لم تعد خلافًا قانونيًا أو سياسيًا فحسب، بل تحولت إلى مواجهة ميدانية تتكرر مع كل خطوة تنفيذية جديدة. وبين سعي الدولة لتطبيق قرارات القضاء وتشديد الملاحقة، وتمسك الحريديم بمنظومة الإعفاءات، تبدو الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة.