أرض نادي الزمالك في حدائق أكتوبر (نحو 129–130 فدانًا) خُصصت منذ سنوات لإقامة فرع جديد واستاد ومشروعات استثمارية ضخمة، قُدِّرت قيمتها السوقية الحالية بحوالي 10 مليارات جنيه. لكن تعثر التنفيذ، وتعدد الإدارات، وغياب رؤية موحدة، حوّل المشروع من «حلم كل زملكاوي» إلى مصدر تهديد حقيقي لأصول النادي بعد قرارات سحب الأرض وتجدد الصراع بين النادي ووزارة الإسكان.
قرار السحب.. ضربة إدارية وقانونية موجعة
في 19 أغسطس 2025، نفذ جهاز حدائق أكتوبر قرار وزارة الإسكان بسحب أرض الزمالك بدعوى «عدم الجدية في التنفيذ» وعدم الالتزام بالجداول الزمنية وشروط التخصيص، رغم منح النادي مهلات متكررة وإنذارات سابقة. مسؤول بوزارة الإسكان أوضح أن سحب الأرض تم احترازيًا لحين وصول خطاب رئاسي أو رسمي جديد يمنح الزمالك مهلة إضافية، بينما تم تثبيت لافتة ملكية الأرض للجهاز ووقف الأعمال في الموقع بالكامل.
إدارة الزمالك من جانبها أكدت امتلاكها مستندات بمد المهلة حتى سبتمبر 2026، وحذرت من أن القرار يعرّض النادي لخسائر ضخمة لأن عقودًا استثمارية أُبرمت بالفعل وبيعت وحدات ضمن المشروع، ما يفتح الباب لنزاعات مع شركاء ومتعاقدين.
النيابة تدخل على الخط.. شبهات فساد وإهدار مال عام
تطور خطير حدث عندما أعلنت النيابة العامة تلقيها عدة بلاغات بشأن أرض الزمالك وحدوث شبهة إهدار مال عام، لتقرر مباشرة تحقيقات موسعة في الملف. بيان النيابة كشف أن الأرض خُصصت للنادي منذ 2003، وسُحبت أكثر من مرة بسبب عدم الجدية، وأن النادي طلب لاحقًا زيادة المساحة البنائية ومد مهلة جديدة لأربع سنوات، ما استلزم موافقة رئاسية بعد انتهاء مهلة سابقة في أبريل 2024.
الأخطر أن التحقيقات رصدت قيام إدارة الزمالك ببيع أجزاء من مبانٍ لم تُنشأ بعد لجهات رسمية تُعد أموالها أموالاً عامة، مقابل نحو 780 مليون جنيه، قبل صدور الموافقة الرئاسية أو الحصول على تراخيص البناء المطلوبة. هذه الأموال يجري الآن فحص أوجه إنفاقها بواسطة لجنة من خبراء الكسب غير المشروع والأموال العامة، في ظل شبهة إهدار مال عام ومخالفة للقانون ولوائح التخصيص.
20 عامًا من التخبط الإداري وصراع التصريحات
ملف الأرض يكشف أيضًا حالة فوضى إدارية مزمنة داخل نادي الزمالك؛ فقد تعاقبت إدارات ولجان مختلفة على المشروع لأكثر من 20 سنة، مع وعود متواصلة ببناء فرع واستاد ومول تجاري وفندق، دون تنفيذ فعلي يتناسب مع حجم المخططات. تقارير صحفية رياضية وصفت أرض أكتوبر بأنها «صداع مزمن» للنادي، مشيرة إلى حجر أساس ووعود متكررة ظلت في خانة «الفنكوش»، بينما بقيت المساحات مهجورة ومهددة بالسحب رغم قيمتها السوقية الهائلة.
في الوقت نفسه، تتبادل الإدارات المتعاقبة الاتهامات: كل طرف يحمّل السابقين مسؤولية التعثر، بينما يدافع عن نفسه بأنه «أول من تحرك بجدية» وأبرم تعاقدات وبدأ تجهيزات، كما يرد في تصريحات مسؤولين حاليين وسابقين بالنادي وبرامج رياضية مختلفة.
جماهير تدفع الثمن بين الدولة وإدارة النادي
جماهير الزمالك تجد نفسها اليوم أمام مشهد معقد:
دولة (ممثلة في وزارة الإسكان) تؤكد أنها طبقت القانون وسحبت الأرض لعدم الالتزام بالشروط والمهل، مع حديث عن حلول بديلة لم يلمسها الجمهور بعد.
إدارة نادي متهمة بالتقصير والتعاقد على بيع وحدات ومبانٍ غير موجودة فعليًا، وتحمل على عاتقها شبهة إهدار مئات الملايين، وتضع النادي تحت مجهر النيابة.
النتيجة أن أصلًا استراتيجيًا يساوي مليارات الجنيهات، كان يمكن أن يصبح رئة جديدة للنادي ومصدر دخل مستدام، أصبح مهددًا بالفقد أو التجميد وسط نزاع قانوني، وتحقيقات فساد، وفراغ إداري ينعكس على فريق الكرة وباقي الألعاب.
ما بين فساد الإدارة وغياب الحوكمة يضيع الزمالك
أزمة أرض الزمالك في 6 أكتوبر ليست مجرد ملف رياضي، بل مرآة لغياب الحوكمة عن مؤسسات يفترض أنها تدير أموالًا وجماهير ضخمة بمستوى عالٍ من الشفافية. تحقيقات النيابة في شبهة إهدار 780 مليون جنيه، وقرارات سحب التخصيص بعد مهلات لا تنتهي، تكشف أن إدارة الأصول في النادي تمت بعقلية مغامرة أقرب لبيع الوهم، لا لمشروع استراتيجي محسوب.
في المقابل، تتحمل الدولة جزءًا من المسؤولية بتأخرها في تطبيق معايير صارمة للرقابة والحوكمة على الأندية الكبرى، وتركها لسنوات طويلة فريسة لصراعات انتخابية وقرارات انفرادية. ما لم تُعلن نتائج التحقيقات بشفافية، وتُحاسَب الإدارات المقصرة، ويُعاد بناء نموذج إدارة محترف ومستقل داخل الزمالك، ستظل الأرض في 6 أكتوبر عنوانًا على نادي يضيع بين سوء إدارة داخلي وقرارات فوقية، بينما يبقى الجمهور هو الطرف الوحيد الذي يدفع الثمن من حلمه وكرامته.

