على مدار أربعة أشهر كاملة، ظلّت قضية مقتل الطالب الجامعي أيمن صبري محمود عبد الوهاب (21 عامًا) عالقة بين دهاليز الصمت الرسمي وتراخي الجهات المسؤولة، بينما بقي المتهمون يمارسون أعمالهم دون إيقاف أو مساءلة، رغم ثبوت تورطهم في تعذيب الشاب حتى الموت. تتزامن هذه المماطلة مع مخاوف حقوقية من تكرار المأساة بحق ضحايا آخرين، في ظل استمرار الجناة في مواقعهم.

 

استيقاف ينتهي بالموت

 

بدأت فصول الجريمة في 19 يوليو 2025، حين أقدم الرائد محمد الصادق، رئيس مباحث مركز شرطة بلقاس، ومعه قوة من الشرطة، على استيقاف أيمن داخل أحد صالونات الحلاقة. ورغم تفتيشه دون العثور على أي ممنوعات، قام أمين الشرطة جمال الصياد بتقييده واقتياده إلى مركز الشرطة، دون سند قانوني أو إذن ضبط.

 

لم يحرَّر محضر بالضبط أو الاحتجاز لمدة يومين كاملين، بل وُضع الشاب داخل "ثلاجة القسم" — مكان يُستخدم عادة كحجز مؤقت — في معزل عن القانون والأسرة والحقوق الأساسية. وبطريقة باتت مألوفة في هذا النوع من القضايا، جرى لاحقًا تلفيق قضية حيازة مخدرات وسلاح ناري له، ليُعرض على النيابة التي قررت حبسه احتياطيًا أربعة أيام.

 

تعذيب ممنهج حتى الموت

 

أعيد أيمن إلى مركز الشرطة بعد قرار النيابة، لتبدأ مرحلة أخرى أكثر قسوة. فبحسب روايات شهود العيان وتقارير الطب الشرعي، تعرض الشاب لتعذيب وحشي مستمر لعدة أيام، شارك فيه الملازم أول يوسف شلبي، بمساعدة أمين شرطة يدعى إبراهيم، وسجين يُدعى السيد ظريف.

 

عُذّب المجني عليه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة مع غروب 26 يوليو 2025. تقارير الطب الشرعي — سواء التقرير الأول أو تقرير اللجنة الثلاثية بالقاهرة — أثبتت بصورة قاطعة أن الوفاة ناتجة عن اعتداء عنيف متواصل، وهو ما تطابق مع شهادات 19 محتجزًا آخرين، أكدوا تفاصيل التعذيب وأسماء المتورطين.

 

أدلة كاملة.. وتعطيل كامل للعدالة

 

ورغم تراكم الأدلة الفنية والقَولية، فوجئ أهل الضحية والمنظمات الحقوقية بعدم اتخاذ أي إجراء احترازي ضد المتهمين، فلم يُوقَفوا عن العمل، ولم تُمنَع اتصالاتهم أو احتكاكهم بمسرح الجريمة أو المحتجزين الآخرين، وهو ما يثير مخاوف من العبث بالأدلة وتعطيل العدالة عمدًا.

 

كما لم تُحَل القضية حتى الآن إلى محاكمة جنائية، ما اعتبرته جهات حقوقية ضوءًا أخضر لتمدد الإفلات من العقاب.

 

وقائع تتكرر.. والذاكرة لا تنسى

 

ترى منظمة نجدة لحقوق الإنسان أن ما جرى لأيمن يعيد فجائع مصر القريبة مع حوادث مشابهة تحولت إلى قضايا رأي عام، أبرزها مقتل الشاب خالد سعيد، ثم المحامي كريم حمدي بقسم المطرية، وخليل أبو هيبة بقسم ثالث المحلة، وغيرهم ممن قُتلوا تحت وطأة التعذيب أو بسبب سوء المعاملة داخل أماكن الاحتجاز.

 

وتشير المنظمة إلى أن تكرار السيناريو ذاته — الاستيقاف غير القانوني، الاحتجاز خارج الإطار الرسمي، ثم تلفيق اتهامات قبل ممارسة التعذيب — يعكس نمطًا أوسع من الانتهاكات الممنهجة، لا مجرد حادث فردي.

 

مطالبات بإحالة عاجلة ومنع العبث بالأدلة

 

وطالبت المنظمة النائب العام بسرعة إحالة الضباط والأفراد المتورطين في الجريمة إلى محاكمة جنائية عادلة وشفافة، مع اتخاذ تدابير احترازية فورية، كإيقافهم عن العمل ومنعهم من الاقتراب من الأدلة أو التواصل مع الشهود.

 

وأكدت أن التراخي في التعامل مع مثل هذه القضايا يمثل نوعًا من التواطؤ، وأن إفلات المتهمين من العقاب يشجع على تكرار الجرائم داخل أماكن الاحتجاز، ويهدد سلامة المواطنين وحقهم في العدالة.