في ظل استبداد متزايد ومخاوف متصاعدة من تراجع الحريات، تعمد حكومة الانقلاب إلى تصعيد القمع في وجه الإعلاميين والصحفيين، لكنها لا تلاحق الفساد أو الفشل، بل تفرض غرامات قاسية تحت ذريعة مكافحة "الإشاعات".
هذه السياسة ليست سوى سلاح بيد النظام لقمع الحقيقة، إسكات الأصوات الحرة، وترهيب كل من يحاول كشف أصابع الفساد والأخطاء. ويبدأ بذلك مسلسل أكثر ظلمة على حرية الإعلام وصحافة الاستقصاء التي طالما كانت رأس الحربة في مصارعة الظلم.محاربة الحقيقة أم سياسة التضليل؟فرض غرامات على الإعلاميين والصحفيين بحجة "نشر إشاعات" هو ذريعة واهية لفرض الرقابة الصارمة على كل ما يتعارض مع أجندة الانقلاب.
لم يتم تعريف مفهوم "الإشاعة" بشكل واضح حسب القوانين الدولية أو شروط حرية التعبير، الأمر الذي يفتح الباب لتعسف غير محدود في معاقبة الأصوات المنتقدة. وما هو أبشع، أن هذه الغرامات تُستخدم لإرهاب الصحفيين وكبح تطلعات الإعلام آزاد، وهذه السياسة تشير بوضوح إلى أن النظام لا يسعى إلى كشف الحقائق، بل يسعى لتشويهها وإخمادها بالقوة المالية والقانونية.استهداف الإعلاميين.. حرب على حرية الصحافةلا تقتصر هذه الغرامات على الإعلام الرسمي المنتمي للدولة، بل تتوسع لتطال الصحفيين المستقلين والمدافعين عن حرية التعبير.
إن استهداف هؤلاء الأفراد عبر فرض غرامات أو ملاحقات قانونية يعوق دورهم في مراقبة السلطات، ويحول دون نقل الأخبار الصادقة إلى الجمهور. يتجلى هذا الاستهداف في ردود الأفعال المتكررة للنظام تجاه تقارير تكشف انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد، علماً أن الصحافة الحرة هي حجر الأساس لأي مجتمع ديمقراطي وعادل.أثر الغرامات على مشهد الإعلامالغرامات المالية الثقيلة التي تفرض على الصحفيين والإعلاميين ليست مجرد عقوبات، بل هي حملة منظمة لإذلال العاملين في الإعلام وضرب قدراتهم المالية والمعنوية.
الكثيرون من الصحفيين المستقلين غير قادرين على دفع هذه الغرامات، مما يدفعهم إلى الصمت أو الهجرة الإعلامية إلى الخارج. هذا يقلص تنوع المنابر الإعلامية ويجعل الجمهور محاصراً بين إعلام رسمي مأجور لا يهتم إلا بالترويج لنظام الانقلاب، وإعلام مستقل مهدد بالإفلاس والقمع.تحذير من الانزلاق في مستنقع الاستبداد.
إن السماح لهذه السياسات بالبقاء دون محاسبة يمثل انزلاقاً واضحاً نحو مجتمع استبدادي لا مكان فيه للحريات. قوانين "مكافحة الإشاعة" التي تعمم العقوبات بدون معايير واضحة تتحول إلى أدوات قمعية تقتل روح الرقابة الاجتماعية. بات من الضروري أن يتحرك المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والدول الشريكة لإجبار حكومة الانقلاب على التراجع عن هذه الإجراءات وإفساح المجال للإعلام الحر والصريح.

