واصلت إثيوبيا هجومها اللاذع على مصر، وذلك في أعقاب بيان الخارجية الإثيوبية الذي اتهمت فيه بعض المسؤولين في القاهرة بأنهم "ما زالوا متشبثين بعقلية الحقبة الاستعمارية"، في ظل استمرار الخلافات بشأن سد النهضة الذي افتتحته أديس أبابا في سبتمبر الماضي.
وقال أشوك سوين، أستاذ بحوث السلام والنزاعات في جامعة أوبسالا ورئيس كرسي اليونسكو للتعاون المائي الدولي، إن بعض الساسة المصريين "يواصلون لعب دور الضحية" في ملف نهر النيل وسدّ النهضة، في محاولة لصرف الأنظار عن التحديات الداخلية التي تواجه بلادهم.
التهديد والتحريض الإعلامي ضد إثيوبيا
وأضاف لوكالة الأنباء الإثيوبية "إينا"، أن هؤلاء السياسيين يعتمدون خطابًا "غير مبني على أسس واقعية"، يقوم على التلويح بالتهديد والتحريض الإعلامي ضد إثيوبيا.
وأشار إلى أنهم يسعون أيضًا لتصوير مساعي أديس أبابا للحصول على منفذ بحري كتهديد، بدلاً من النظر إليها ضمن إطار التعاون الإقليمي المشترك.
وأوضح الباحث أن محاولات مصرية جديدة ظهرت لعرقلة حقوق إثيوبيا البحرية، "بالطريقة ذاتها التي سعت بها القاهرة سابقًا لمنع أديس أبابا من استخدام مياه النيل"، إلا أنّ هذه الجهود – بحسب قوله – "لن تنجح ولن تحظى بقبول دولي أو إقليمي".
وأكد سوين أن إثيوبيا حققت مكاسب بارزة، سواء على مستوى بناء وتشغيل سدّ النهضة باعتباره أكبر مشروع مائي في إفريقيا، أو على مستوى حضورها الدبلوماسي المتنامي في المنطقة، مقابل تراجع ملحوظ في النفوذ الإقليمي المصري.
وأضاف: "القاهرة تدرك جيدًا أن اللجوء إلى مجلس الأمن لم ولن يغيّر من الواقع شيئًا، كما أن الصين ستقف ضد أي تدخل يمس حقوق دول المنبع".
وحثّ سوين مصر على تبني نهج تعاوني في إدارة مياه النيل، والتخلي عن محاولات تعطيل مساعي إثيوبيا لتعزيز علاقاتها الإقليمية والحصول على منفذ بحري. وقال إن "أفضل مسار للطرفين هو التعاون، فمصر تخوض مجددًا لعبة خاسرة بمحاولة عرقلة حق إثيوبيا في الوصول إلى البحر".
في سياق متصل، جددت وزارة الخارجية الإثيوبية انتقادها للموقف المصري، ووصفت رفض القاهرة للحوار وتصعيدها الخطابي بأنه محاولة متعمدة لـ"خلق توتر وإثارة تصعيد جديد".
ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة "التصرفات غير المسؤولة" لما اعتبرته حملة لزعزعة استقرار القرن الإفريقي عبر دعم قوى ضعيفة تخدم مصالحها.
قانون المياه الدولي
إلى ذلك، أكد باحثون بجامعة أربا مينش الإثيوبية، أن مطالبة مصر بحقوقها في نهر النيل، التي ترجع إلى الحقبة الاستعمارية، "تفتقر إلى الشرعية بموجب قانون المياه الدولي وغيره من المعايير القانونية العالمية المقبولة".
وقالوا إن إثيوبيا هي مصدر أكثر من 86 بالمائة من إجمالي تدفق مياه النيل عبر النيل الأزرق، وهي حقيقة هيدرولوجية لا يمكن إنكارها وتتحدى بشكل أساسي رواية مصر بشأن السيطرة المطلقة على النهر.
وأضاف الباحثون أنه على الرغم هذا فإن مصر لا زالت متمسكة بالموقف الخاطئ والبالي، حيث تزعم أنه لا يحق لأي دولة غيرها أن يكون لها الحق في اتخاذ القرار بشأن استخدام نهر النيل أو الاستفادة منه.
وأشاروا إلى أن هذا الموقف الذي اتسم بالطابع الاستعماري لا يزال يشكل السياسة المصرية الحالية تجاه النهر.
في المقابل، قالوا إن إثيوبيا سعت باستمرار إلى اتخاذ موقف يرتكز على الاستخدام العادل والمنصف، القائم على احترام المصالح المشتركة لجميع دول حوض النيل.
وأكد الباحثون أن هذا النهج التعاوني أصبح الآن معترفًا به على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي.
وأوضح الدكتور المهندس تاميرو تيسيما، المدير العلمي للمعهد، أن الرواية المصرية حول نهر النيل ليست معيبة تاريخيًا فحسب، بل إنها أيضًا غير متوافقة مع المعايير الدولية الحديثة.
ووصف إصرار مصر المستمر على هذه الرواية بأنها "أجندة لم تعد تنتمي إلى العصر الحالي ولا ينبغي إثارتها في الخطاب المعاصر".
وأشار إلى أن "حق إثيوبيا في تنمية واستغلال النهر بطريقة لا تسبب ضررًا كبيرا للدول الواقعة في مجرى النهر هو حق محمي بشكل واضح بموجب القانون الدولي".
عرقلة بناء سد النهضة
مع ذلك، قال إن "الهدف الحقيقي لمصر يبدو أنه إبقاء إثيوبيا كمراقب سلبي وليس كمستخدم نشط وشرعي لمواردها الطبيعية".
وأضاف: "ولهذا السبب عملت مصر لسنوات على عرقلة بناء سد النهضة الإثيوبي، وهو ما كان يتناقض في كثير من الأحيان مع المبادئ الدولية لاستخدام المياه العابرة للحدود".
وقال إنه على الرغم من الجهود المستمرة لزعزعة الاستقرار، فقد تم الانتهاء من بناء السد بفضل العزيمة الثابتة والتضحية الجماعية للشعب الإثيوبي.
وأضاف تاميرو أنه حتى بعد اكتمال بناء سد النهضة، واصلت مصر ما وصفه بالأعمال العدائية والمزعزعة للاستقرار ضد إثيوبيا.
واعتبر أن مثل هذا السلوك غير مقبول على الإطلاق ويستحق الإدانة الشديدة.
وأوضح أنه بموجب القانون الدولي للمياه العابرة للحدود، فإن البلدان لها الحق في الاستخدام المعقول والعادل للأنهار المشتركة بطريقة لا تسبب ضررا كبيرا للدول الواقعة في مجرى النهر.
وأكد الباحثون أن محاولة مصر احتكار النيل من خلال رواية استعمارية تفتقر إلى القبول في القانون الدولي والأعراف العالمية المعترف بها.
وأضافوا أنه في حين أن موقف مصر المتشدد يقوض بشكل مباشر الحق المشروع لإثيوبيا في تنمية واستغلال مواردها الطبيعية، فإن إثيوبيا تواصل اتباع مسار سليم قانونيا ومعترف به دوليا يستند إلى مبادئ الاستخدام العادل.
أيديولوجية استعمارية
وأكد مدير مركز أبحاث الموارد المائية بالجامعة، الدكتور إلياس جيبيو، أن موقف مصر المتشدد من نهر النيل وسد النهضة يعكس أيديولوجية استعمارية عفا عليها الزمن وغير مناسبة للعصر الحديث.
وأضاف أن تصرفات مصر المتكررة لعرقلة المفاوضات المتعلقة بسد النهضة وإحياء التفكير الاستعماري تتعارض بشكل مباشر مع حقائق القرن الحادي والعشرين.
وأشار إلى أن وزارة الخارجية الإثيوبية أوضحت أن مثل هذا التدخل المستمر من قبل المسؤولين المصريين يتعارض مع النظام السياسي والقانوني العالمي اليوم.
https://www.ena.et/web/ara/w/ara_7860292
https://www.ena.et/web/eng/w/eng_7863001

