في توقيت حساس ومع انطلاق مسرحية الانتخابات البرلمانية، خرج الدكتور علي الدين هلال، وزير الشباب الأسبق وأحد رموز نظام مبارك، بتصريح صادم يعري النظام الحالي ويكشف الفارق بين فساد "الأمس" وفساد "اليوم".

 

قوله إن المال السياسي "كان يتم على استحياء وفي الظلام" أيام مبارك، بينما أصبح اليوم يمارس بـ"فجاجة واستكبار"، هو اعتراف ضمني بأن ما تشهده مصر الآن تحت حكم العسكر ليس مجرد تزوير، بل هو "سوق نخاسة" سياسي مفتوح، يُشترى فيه النواب والمقاعد علناً، بلا خجل ولا خوف من قانون أو رقابة.

 

هذه الشهادة ليست نقداً من معارض، بل هي رثاء من "رجل دولة" سابق لدولة تحولت إلى "متجر" لمن يدفع أكثر.

 

من "الكسوف" إلى "الفجاجة": تطور الفساد في الجمهورية الجديدة

 

حديث هلال يضع يده على الجرح العميق؛ الفساد في عهد مبارك كان موجوداً، لكنه كان يخشى الفضيحة، كان هناك "حد أدنى" من الحياء السياسي والخوف من الرأي العام. أما في "الجمهورية الجديدة"، فقد سقطت ورقة التوت تماماً.

 

لم يعد شراء الأصوات جريمة تستوجب التخفي، بل أصبح "استراتيجية" معتمدة، نرى فيها "الكراتين" والأموال توزع أمام اللجان تحت حماية الشرطة، ونرى رجال أعمال يشترون الحصانة علناً بالملايين. وصف هلال لما يحدث بـ"الاستكبار" دقيق للغاية؛ فالنظام الحالي لا يزور فقط، بل يتبجح بتزويره، وكأنه يقول للشعب: "نعلم أنكم تعلمون، ولا نبالي".

 

برلمان "المقاولين": عندما تحكم الأموال لا العقول

 

هذه "الفجاجة" التي تحدث عنها الوزير الأسبق أنتجت لنا برلماناً مشوهاً، لا يمثل الشعب بل يمثل "رأس المال" المتحالف مع السلطة. عندما يصبح المعيار الوحيد لدخول المجلس هو القدرة على الدفع، يتحول البرلمان من سلطة تشريعية تراقب الحكومة إلى "غرفة تجارية" تشرعن الفساد وتحمي مصالح القلة.

 

المال السياسي الذي كان "عيباً" في الماضي، أصبح اليوم "شرطاً" للترشح، مما أقصى الكفاءات والسياسيين الحقيقيين، وأفسح المجال لـ "أثرياء الغفلة" وتجار الأزمات ليتصدروا المشهد، ليشتروا الحصانة كما يشترون أي سلعة.

 

سقوط هيبة الدولة: المال يحكم القانون

 

أخطر ما في تصريح علي الدين هلال هو دلالته على سقوط "هيبة الدولة". عندما يمارس الفساد بـ"استكبار" وفي وضح النهار، فهذا يعني أن القانون قد مات، وأن أجهزة الدولة (التي يفترض أنها رقابية) قد تحولت إلى "راعٍ رسمي" لهذا الفساد. المال السياسي لم يعد خرقاً للقانون، بل أصبح هو القانون السائد. الدولة التي تسمح بشراء ذمم مواطنيها الفقراء علناً، هي دولة فقدت شرعيتها الأخلاقية قبل السياسية، وتحولت إلى "عصابة" تدير مقدرات الوطن بمنطق الغنيمة وتقاسم المصالح.

 

إلى أين نذهب؟

 

شهادة علي الدين هلال هي جرس إنذار، لكن لمن يسمع؟ النظام الحالي تجاوز مرحلة "الإنكار" إلى مرحلة "التطبيع" مع الفساد. إذا كان وزراء العهد البائد يرون في الوضع الحالي "فُجراً"، فماذا يقول المواطن المطحون الذي يرى صوته يباع ويشترى بـ"وجبة" أو "مائة جنيه"؟ نحن أمام نظام لم يكتفِ بتجويع الشعب، بل أفسد ذمته السياسية، وحول الديمقراطية (حتى بشكلها الصوري) إلى مزاد علني وقح، لا يفوز فيه إلا من يملك "المال السياسي" الذي أصبح العملة الرسمية لجمهورية الانقلاب.