في مشهد عبثي يتكرر بشكل روتيني، استيقظت جماهير نادي الزمالك مجدداً على كارثة إدارية جديدة: الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" يقرر إيقاف القيد لـ 3 فترات متتالية، للمرة السادسة على التوالي! هذه المرة السبب هو مستحقات اللاعب التونسي فرجاني ساسي، لتنضم قضيته إلى طابور طويل من الديون والمخالفات.

 

هذا النادي العريق لم يعد يتصدر عناوين الصحف ببطولاته، بل بفضائحه المالية وأرقام ديونه الفلكية التي تُهدر من أموال الدولة والشعب، دون أن يجرؤ مسؤول واحد على فتح ملف المحاسبة. نحن أمام "ثقب أسود" يبتلع ملايين الدولارات، بينما تقف الأجهزة الرقابية موقف المتفرج، أو ربما "المتواطئ" بالصمت.

 

إبراهيم نداي وميشلاك.. ملايين في "الهواء"

 

تصريحات الإعلامي أحمد شوبير لم تكن مجرد نقد رياضي، بل كانت بلاغاً علنياً للنائب العام. عندما يُدفع للاعب مثل إبراهيم نداي 1.8 مليون دولار، وهو لاعب "لا نتذكر شكله ولا نتذكر له لمسة"، فهذه ليست صفقة فاشلة، بل هي جريمة إهدار مال عام مكتملة الأركان. كيف يُسمح بإنفاق ما يقارب 90 مليون جنيه مصري (بسعر الصرف الحالي) على لاعب "شبح"؟

 

ثم تأتي كارثة ميشلاك، الذي طاروا به فرحاً، ليكتشف الجميع أنه مقلب جديد كلف خزينة النادي 770 ألف دولار، ومعه المدرب يانيك فيريرا الذي يطالب بـ 440 ألف دولار. هذه الأرقام ليست مجرد "مستحقات"، بل هي "نزيف" مستمر من العملة الصعبة في بلد يعاني أزمة اقتصادية طاحنة، بينما إدارات الأندية تتصرف وكأنها تدير أموالها الخاصة لا أموال مؤسسة عامة.

 

فرجاني ساسي.. الفضيحة المتجددة

 

قضية فرجاني ساسي هي العنوان الأبرز للفشل الإداري المتوارث. اللاعب غادر منذ سنوات، لكن "فواتيره" لا تزال تطارد النادي. الحكم الجديد يطالب الزمالك بدفع 505 آلاف دولار (شاملة الفوائد)، ليصل إجمالي المبلغ المطلوب لحل أزمة القيد الحالية إلى 778 ألف دولار (تشمل مستحقات جروس وجوميز).

 

السؤال الذي يطرح نفسه: أين كانت الإدارات المتعاقبة حين تراكمت هذه الديون؟ ولماذا لم يتم سداد المستحقات في وقتها لتجنب الفوائد والغرامات؟ الإجابة واضحة: لأن أحداً لا يدفع من جيبه، ولأن "الشيك" يصرفه الجمهور والدولة من سمعة النادي واستقراره.

 

الدولة "غائبة".. والرقابة "في إجازة"

 

الأخطر من الديون هو "صمت الدولة". نادي الزمالك مؤسسة عامة تتبع وزارة الشباب والرياضة، وأمواله هي "مال عام" بحكم القانون. ومع ذلك، نرى ملايين الدولارات تُهدر في صفقات مشبوهة وغرامات تأخير، دون أن نسمع عن تحويل مسؤول واحد للنيابة بتهمة الإهدار.

 

أين الجهاز المركزي للمحاسبات؟ أين وزارة الشباب والرياضة التي تكتفي بدور "المحلل" الذي يشكل اللجان المؤقتة ثم يرحل؟ ترك الحبل على الغارب لإدارات الأندية لتعبث بمقدرات الدولة تحت لافتة "استقلال الرياضة" هو جريمة في حق الشعب الذي يدفع الضرائب.

 

"سكة ظلمة".. المستقبل الأسود

 

كما وصف شوبير، الزمالك دخل في "سكة ظلمة". القضايا لا تنتهي، وكل يوم تظهر قضية جديدة، والأرقام تتضاعف بالفوائد. الحل ليس في "التبرعات" ولا في "رجال الأعمال"، الحل في "المحاسبة". ما لم يتم فتح ملفات الفساد الإداري والمالي في الزمالك (وغيره من الأندية) ومحاسبة كل من تسبب في هذا الخراب، سيظل النادي رهينة للديون، وستظل أموال الدولة تُستنزف في قضايا خاسرة وصفقات وهمية.

 

إنقاذ الزمالك لا يحتاج لـ "صفقات جديدة"، بل يحتاج لـ "نيابة أموال عامة" تضع يدها على هذا الملف، وتوقف نزيف الملايين قبل أن يتحول النادي إلى "أطلال" رياضية.