رسم "الاشتراكيون الثوريون"، مشهدًا قاتمًا للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، من خلال إقصاء عشرات المرشحين من الأحزاب خارج دائرة الولاء المطلق للسيسي، بينما عززت الأحزاب الموالية للنظام قبضتها وسيطرت بشكل كامل.
وقالوا في تقرير نشر باللغة الإنجليزية، إن النظام لم يسمح لأيّ صوتٍ متباينٍ بالتنافس في معركة انتخابية قصيرة استمرت أسبوعين على نصف مقاعد البرلمان. في حين أن النصف الآخر يتألف من مرشحين على قوائم انتخابية مغلقة، تحتكرها الأحزاب الموالية للنظام بالكامل.
ساحة صراع خفية بين الأجهزة الأمنية
واعتبروا أن هذه الانتخابات، التي يُفترض، حتى دستوريًا، أن تُجسّد الإرادة الشعبية، تحوّلت إلى ساحة صراع خفية على المقاعد الفردية في معظم الدوائر، تتصارع فيها أجهزة أمنية مختلفة خلف الكواليس. تتعامل هذه الأجهزة مع المقاعد النيابية كغنائم تُوزّع على الموالين للنظام وشبكات مصالحهم، بينما يبقى الشعب المصري مجرد متفرج على مسرحية سياسية لا تعكس إرادته ولا تُمثّل تطلعاته.
وقالوا إن هذا التنافس تجلى في تبادل الاتهامات العلنية عبر وسائل الإعلام التابعة لكل جهاز، وفي استخدام أساليب غير قانونية للتأثير على النتائج.
وفي العديد من الدوائر الانتخابية، شهد الناخبون عمليات شراء صارخة للأصوات، وتزويراً صارخًا، وقيودًا على المرشحين المتنافسين، وحتى العنف المسلح في بعض الحالات، وخاصة في صعيد مصر، كما أشار "الاشتراكيون الثوريون".
ورصدوا غيابًا شبه تام لأي معارضة في المشهد الانتخابي، حيث تنافست أحزاب تحالف دعم مصر، ومستقبل وطن، والشعب الجمهوري، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية، كلٌّ منها مرتبط بأجهزة أمنية مختلفة، على المقاعد الفردية. وكشفت المعركة عن الانقسامات العميقة في المصالح والشبكات داخل مؤسسات الدولة.
وأوضح "الاشتراكيون الثوريون" أن هذه الانقسامات قائمة داخل شبكات النفوذ والولاء والمحسوبية، لكنها لا تعكس أي انقسام في دعمها المطلق للسيسي. ستتحد هذه الكيانات جميعها في البرلمان في نهاية المطاف عندما يحين دورها الحقيقي: تعديل الدستور لتمديد فترات الرئاسة وضمان استمرار السيسي ونظامه لما بعد عام ٢٠٣٠.
إعادة الانتخابات في 19 دائرة
وبعد أن انتهت المرحلة الأولى بفضائح شهدها الجميع، ووثقتها توثيقًا واسعًا، أبرزها الخلافات العلنية بين الهيئات القضائية، بما في ذلك نادي القضاة، ونادي البحرية التابع للنيابة الإدارية، وبيانات الهيئة الوطنية للانتخابات، نشر السيسي منشورًا على "إكس" يدعو فيه إلى "نزاهة الانتخابات"، و"احترام الإرادة الشعبية"، و"الخوف من الله". وبعدها مباشرة، أعلنت لجنة الانتخابات، التي يُفترض أنها مستقلة، إعادة الانتخابات في 19 دائرة.
وعلق "الاشتراكيون الثوريون": "كان هذا المنشور، الذي جاء في وقت حساس للغاية، محاولة واضحة لتلميع صورة النظام المتدهورة محليا ودوليا، وإخفاء الفوضى الناجمة عن الصراعات الداخلية بين أجهزته على الغنائم المتاحة، وتقديم السيسي كزعيم فوق هذه الشبكات المتنافسة، وزعيم إصلاحي يقف من أجل الحقيقة ومصلحة الشعب".
وتابعوا: "لكن الحقيقة التي يعرفها معظم المصريين هي أن السيسي يُصوّر نفسه "حكمًا" بينما هو في الواقع مُدبّر الأمور. كشف المنشور عن مدى سيطرته حتى على أدق تفاصيل المشهد السياسي، وكيف يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتلميع صورته كـ"حامي الديمقراطية" بينما يُدير نظامًا استبداديًا لا يترك مجالًا للمنافسة الحقيقية، ولو هامشية".
وأوضحوا أن "السرّ الخفيّ، الذي يطفو على السطح في كل حديث خاصّ خلف الأبواب المغلقة، هو أن هذا البرلمان مُكلَّف بمهمة تاريخية واحدة: تعديل الدستور وتمديد حكم السيسي. وهذا يُفسِّر الصراع المحموم بين المُرشَّحين والجهات الداعمة لهم، إذ حانت اللحظة المناسبة لتوسيع نطاق نفوذهم ومنافعهم في الفترة المقبلة وفي ترتيبات ما بعد 2030".
وأردف "الاشتراكيون الثوريون": "لقد ظلت المعارضة الحقيقية غائبة، سواء بالقوة أو بالاختيار، محاصرة في زاوية ضيقة بين مطرقة القمع المنظم من جانب الدولة وسندان الاستقطاب والامتصاص".
واعتبروا أنه "من الوهم الاعتقاد بأن هذا البرلمان سيكون مختلفًا. ففي عهد السيسي، لم يعد البرلمان المؤسسة التشريعية التي تراقب الحكومة أو تناقشها أو تحاسبها، ولو ظاهريًا، كما كان الحال في عهد مبارك. لقد أصبح بلا خجل مجرد ختم مطاطي، يقتصر على ترديد ما يُملى عليه والموافقة على ما يُعرض عليه".
وأشاروا إلى أن "القرارات الحقيقية، من الاتفاقيات الدولية إلى القروض بمليارات الدولارات، تمر فوق رؤوس أعضاء البرلمان، في حين تقتصر مناقشاتهم على قضايا ترفيهية تافهة أو صراع على مكاسب شخصية وفردية".
أداة لإضفاء الشرعية على السياسات المفروضة
وتابعوا: "لقد أصبح البرلمان أداة لإضفاء الشرعية السطحية على السياسات المفروضة، ومشهداً في العرض الأكبر للديكور الديمقراطي الذي لا يخدع أحدًا".
وخلص "الاشتراكيون الثوريون" إلى أن الانتخابات البرلمانية لعام 2025 تظل حلقة أخرى في سلسلة طويلة من المخططات السياسية التي ينفذها السيسي ومؤسساته. مشهدٌ يتصارع فيه الموالون للنظام على الفتات تحت سقف واحد، بينما يُترك الشعب المصري خارج أسواره، يعاني من تدهور معيشيّ غير مسبوق وأزمة اقتصادية خانقة، يشاهد بمرارة مشهدًا صُمم لإضفاء الشرعية على نظام فقد القدرة على إقناع أحد بشرعيته.
ورأوا أن "الرسالة التي تتدفق من بين سطور هذه الانتخابات واضحة ومدوية: لا أمل في انتقال ديمقراطي حقيقي في ظل حكم لا يعرف سوى لغة القمع والهيمنة. الديمقراطية لا تُبنى بتغريدة، ولا يُؤسسها برلمان مُجرد من الإرادة، ولا تُبنى بقمع الحريات".
واعتبروا أن "الطريق الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم يبدأ بالنضال الجماعي للضغط على النظام لإطلاق سراح آلاف المعتقلين السياسيين، ورفع القبضة الأمنية عن الحريات العامة، وفتح الباب أمام المنافسة الحقيقية التي تضمن التداول السلمي للسلطة".
https://www.socialist.ca/node/5120

