على الرغم من أن المدارس تمثل الحاضنة التربوية والتعليمية لأطفالنا، إلا أنها تحولت عن هدفها الأساسي، وتشوه دورها الأصيل، إلى حد أنها باتت تشكل مصدر القلق الأساسي في حياتنا، في ظل التدهور الذي تشهده على المستويين التعليمي والأخلاقي، والانحدار السلوكي في القائمين على هذه المسؤولية العظيمة.
 

أغرب ما في الأمر أن هذه الانتكاسة أكثر ما تشهدها المدارس الدولية التي يقبل على الالتحاق بها أبناء الطبقة الثرية، والراغبين في حصول أبنائهم على تعليم متميز، يواكب احتياجات سوق العمل، ويخلق لهم وضعًا مميزًا داخل المجتمع، وهذا أمر لا يمكن أن ينكره أحد على هؤلاء الطامحين في تنشئة أبنائهم تعليميًا وتربويًا بالشكل الذي يأملون معه أن يحقق لهم أهدافهم في أولادهم. 

 

إهال الجانب التربوي 

 


الواقع يقول إننا إزاء أوضاع غريبة بالكلية على مجتمعنا، فقد أضحت التربية والتقويم السلوكي والأخلاقي هي آخر ما تبحث عنه المدارس في زماننا، والتي ابتعدت تمامًا عن دورها الأصيل، الذي جعلها تحظى بتقدير واحترام كبيرين على مر العصور والأزمان، بعد أن خرجت أجيال منها شهد لها الجميع بالتفوق العلمي، والتميز الأخلاقي معًا. 

 

وما وقائع البلطجة والاعتداءات الجنسية التي تشهدها المدارس هذه الأيام إلا انعكاسًا لهذا التدهور الأخلاقي الذي أصاب العملية التعليمية في مقتل، فقد انشغلت إدارات المدارس والمعلمون بالبحث عن الربح على حساب غرس القيم والأخلاق في نفوس الأطفال، فخرج كثير منهم وهم لا يعرفون من الأخلاق شيئَا، لا يقدرون كبيرًا ولا يحترمون صغيرًا، ولا يراعون حدودًا، ولا يفرقون بين الصواب والخطأ.

 

قد يلقي البعض بالمسؤولية على الأسرة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره أو التغافل عنه حقيقة، وهي تتحمل بالقدر نفسه المسؤولية عن الانتكاسة الأخلاقية والتربوية التي أصابت المجتمع ككل، بعد أن غابت مسؤولياتها في هذا الجانب، وانشغلت بأمور أخرى، فقد معها الأبناء البوصلة، ولم يجدوا أمامهم من يمثل لهم القدوة والسلوك الحسن.

 

درجات للتفوق الأخلاقي

 

وحتى تعود المدرسة إلى دورها التربوي المأمول، فإن ذلك يتعين إعلاء وتعظيم هذا الجانب من المسؤولين عن التعليم في البلاد، والانشغال بما يعزز السلوك الإيجابي لدى الطلاب جنبًا إلى جنب مع توفير بيئة تعليمية مثالية ينشأ فيها الطفل من غير تشويه أو تخريب للمنظومة الأخلاقية والقيمية، وتعزيز كل الصفات الحميدة في سلوكهم، ودمج ذلك في إطار منح الطلاب درجات للتفوق الأخلاقي والسلوكي.

 

ويشدد الخبراء على أهمية دور المدرسة في تعزيز القيم الإيجابية لدى الطلاب، مثل الصدق والأمانة والاحترام، وتوفر بيئة اجتماعية غنية تساعدهم على بناء علاقات إيجابية مع زملائهم ومعلميهم، كما توفر الدعم النفسس للطلاب، وتساعدهم على التعامل مع التحديات والصعوبات التى قد يواجهونها. 

 

وتشجع الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي، وتوفر لهم الفرص لتطوير مهاراتهم في حل المشكلات وابتكار الحلول، كما تساعدهم على تطوير مهاراتهم الحياتية، مثل إدارة الوقت والتنظيم والتعامل مع الضغوط، وتوفر الفرص للطلاب لتطوير مهاراتهم واهتماماتهم، وتساعدهم على اكتشاف قدراتهم ومواهبهم.

 

دور المدرسة والأسرة ومعًا

 

وفي حين تضطلع المدرسة بدورها في تشكيل شخصية الطلاب وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، فإن تأثيرها يمتد إلى حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية، وهذه المميزات التي سيكتسبها الطالب من المدرسة لن تكتمل أيضًا إلا بمساعدة الأسرة، وأن يكون لها دور هي الأخرى في استكمال الجوانب التربوية الصحيحة لأبنائهم.

 

ويفرض هذا بالتبعية ممارسة الرقابة، سواءً في محيط المدرسة أو الأسرة على ما يتعرض له الطلاب في يومهم، بخاصة مع قضائهم ساعات طويلة في استخدام هواتفهم الذكية، دون التعرف على المحتوى الذي يتعرضون له، أو الذين يهتمون بمتابعته، وهو أمر له تأثير كبير في تشكيل وجدان الأطفال في هذا العصر، حيث أصبحوا يعيشون في العالم الافتراضي يتأثرون ويتفاعلون معه أكثر من تفاعلهم مع حياتهم الطبيعية. 

 

صحيح أن لكل شيء جوانبه الإيجابية والسلبية، لكن التحوط والحذر واجب، وممارسة الرقابة الواعية يسهم في تجنب الأطفال للمخاطر التي قد يتعرضون لها من مصادر مختلفة، مع تخصيص وقت محدد من اليوم لاستخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وتخصيص جزءٍ كبير من وقتهم في ممارسة الرياضة والقراءة، والتواصل مع أفراد الأسرة في أجواء من الحب والاحترام.