في مشهد يتكرر بانتظام، أعلن نقيب الفلاحين حسين أبو صدام عن موجة ارتفاع قادمة في أسعار الطماطم، متوقعًا أن يصل الكيلو إلى 15 جنيهًا مع استمرار الزيادة حتى عيد الفطر. هذا الإعلان ليس مجرد خبر عابر، بل هو جرس إنذار جديد يكشف عمق الهاوية التي أوصلت إليها سياسات حكومة الانقلاب القطاع الزراعي، حيث تحول الفلاح المصري من منتج للغذاء إلى "مشروع خسارة دائم"، وأصبح المواطن يدفع فاتورة الفشل الحكومي من قوت يومه.

 

ورغم أن مصر تنتج ما يقرب من 6.7 مليون طن سنويًا وتحتل المركز السادس عالميًا، إلا أن هذه الأرقام الضخمة لا تنعكس استقرارًا في السوق ولا ربحًا للمزارع، مما يفضح غياب أي رؤية استراتيجية لإدارة ملف الأمن الغذائي.

 

خسائر بالمليارات: الفلاح يدفع فاتورة "العجز الحكومي"

 

لا يمكن فصل الارتفاع المرتقب في الأسعار عن نزيف الخسائر الذي يضرب المزارعين. فالفدان الواحد من الطماطم يكلف الفلاح نحو 100 ألف جنيه، بينما يضطر للبيع بأسعار لا تغطي التكلفة في كثير من الأحيان.

 

وفي تعليقه على هذا الوضع، يرى الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، أن "الدولة لم تتوقف عن دعم الفلاح شعاراتياً فقط، بينما على الأرض تركت المزارعين فريسة لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وغياب التسويق العادل".

 

ويؤكد صيام أن غياب منظومة الزراعة التعاقدية الحقيقية جعل الفلاح يغامر بكل ما يملك في كل موسم، وحينما يخسر لا يجد من يعوضه، مما يهدد بخروج آلاف المزارعين من المنظومة نهائيًا.

 

التغيرات المناخية: "شماعة" الفشل أم خطر حقيقي؟

 

وفي زاوية أخرى للأزمة، تشير التقارير إلى تأثير التغيرات المناخية، حيث تسببت موجات الحرارة في نضج المحصول قبل موعده وإغراق السوق، مما كبد المزارعين خسائر فادحة.

 

وهنا يحذر الدكتور محمد علي فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة، من أن "التقلبات الجوية العنيفة، من موجات حر وصقيع، باتت تهدد محاصيل استراتيجية مثل الطماطم والبطاطس". ورغم حديثه عن جهود لاستنباط أصناف مقاومة، إلا أن الواقع يشير إلى أن الفلاح يقف وحيدًا في مواجهة هذه التحديات دون إرشاد زراعي فعال أو دعم مادي لمواجهة الكوارث الطبيعية، مما يجعل الإنتاجية عرضة للانهيار في أي لحظة.

 

"التعويم" والتصدير العشوائي: سياسات تزيد الطين بلة

 

لم تكن العوامل الطبيعية وحدها السبب، بل إن السياسات الاقتصادية المتخبطة لعبت دور البطولة في الأزمة.

 

حيث يشن الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعي وأستاذ الموارد المائية، هجومًا لاذعًا على إدارة الملف، مؤكدًا أن "التعويم المستمر للجنيه هو المتهم الأول في الارتفاع الجنوني لتكاليف الإنتاج".

 

ويشير نور الدين إلى أن فتح باب التصدير على مصراعيه دون مراعاة لاحتياجات السوق المحلي، سعيًا وراء الدولار، يؤدي إلى شح المعروض وارتفاع الأسعار محليًا، واصفًا ما يحدث بأنه "تصدير للغذاء والماء" على حساب المواطن المصري الذي بات يعجز عن شراء أبسط مكونات طبق السلطة.

 

والخلاصة إن تحذيرات نقيب الفلاحين من ارتفاع الأسعار، ودعوة المواطنين للتخزين، هي اعتراف ضمني بفشل الدولة في ضبط الأسواق. فالأزمة ليست "أزمة طماطم" فحسب، بل هي أزمة منظومة زراعية تآكلت بفعل الإهمال وغياب الدعم وسيطرة مافيا المستوردين وكبار التجار. وبينما تكتفي الحكومة بالتصريحات الوردية عن التصدير والمشاريع العملاقة، يواجه الفلاح والمواطن معًا خطر الجوع والغلاء، في انتظار "طوق نجاة" لا يبدو أنه سيأتي في ظل السياسات الحالية.