في اعتراف رسمي يكشف عمق الانهيار الاقتصادي الذي يضرب الأسواق المصرية، أكد المهندس أشرف هلال، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية باتحاد الغرف التجارية، أن السوق يمر بحالة غير مسبوقة من "الموت السريري" والركود التام.
وبينما يحاول التجار والمصنعون الصمود أمام تآكل القدرة الشرائية للمواطن الذي سحقته السياسات الاقتصادية، تواصل حكومة النظام توجيه ضرباتها القاضية للصناعة الوطنية عبر قرارات جباية جديدة، آخرها فرض رسوم وقائية على "الصاج"، المكون الرئيسي للأجهزة، مما ينذر بموجة غلاء جديدة تقضي على ما تبقى من أمل في انتعاش السوق.
"رسوم الصاج".. قرار حكومي بإعدام الصناعة المحلية
لم تكتفِ الحكومة برفع أسعار الطاقة والضرائب، بل فاجأت القطاع بقرار فرض رسوم وقائية على الصاج، وهو ما انتقده "هلال" بشدة، مؤكدًا أن هذا القرار العشوائي سيرفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 3 و5% فورًا. الكارثة تكمن في أن 90% من صناعة الأجهزة الكهربائية تعتمد على الصاج، مما يعني أن القرار ليس حماية للصناعة كما تزعم الحكومة، بل هو "جباية مقنعة" يدفع ثمنها المواطن والمصنع معًا.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي د. عبد النبي عبد المطلب أن "فرض رسوم إغراق أو حماية على مدخلات الإنتاج الأساسية في وقت يعاني فيه السوق من ركود تضخمي هو انتحار اقتصادي". ويضيف أن الحكومة تعالج عجز الموازنة بمد يدها في جيوب المصنعين، مما سيؤدي حتمًا إلى خروج صغار المنتجين من السوق واحتكار الشركات الكبرى، وفي النهاية يتحمل المستهلك فاتورة هذا الفشل الإداري.
الركود يضرب الجميع: تجار يضحون بالأرباح ومواطن "معدم"
تصريحات رئيس الشعبة كشفت عن واقع مأساوي، حيث اضطر بعض التجار لتقليل هوامش أرباحهم إلى الحدود الدنيا، ولجأت مصانع لتحمل تكلفة الطاقة المرتفعة خوفًا من توقف المبيعات تمامًا. هذا المشهد يعكس حالة "اختناق" يعيشها السوق؛ فالمواطن الذي بات عاجزًا عن توفير قوت يومه، شطب الأجهزة الكهربائية من قاموسه إلا للضرورة القصوى.
ويعلق د. هاني جنينة، الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأمريكية، قائلاً: "ما يحدث هو نتيجة طبيعية لتآكل الدخل الحقيقي للمواطن المصري بنسب تجاوزت 40% خلال العامين الماضيين". ويشير إلى أن محاولات التجار لعمل عروض ترويجية هي "مسكنات" لا تعالج أصل الداء، وهو انهيار العملة والقدرة الشرائية، مؤكدًا أن استمرار السياسات الانكماشية الحالية سيحول الركود المؤقت إلى كساد طويل الأمد يغلق المصانع ويسرح العمالة.
مثلث الرعب: الدولار والجمارك والضرائب
أوضح "هلال" أن أسعار الأجهزة رهينة لعدة عوامل (الدولار، الشحن، الجمارك، الضرائب، الطاقة). وبالنظر إلى هذه العوامل، نجد أن الحكومة هي المتسبب الرئيسي في تضخمها جميعًا. فهي التي خفضت العملة، وهي التي رفعت الجمارك والضرائب، وهي التي ضاعفت أسعار الطاقة.
وفي تعليقه على هذا المثلث، يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد خزيم أن "الحكومة تحولت إلى تاجر جشع يشارك المصنعين والمواطنين في أرزاقهم". ويوضح أن المكون الضريبي والجمركي في سعر أي جهاز كهربائي في مصر بات يمثل نسبة ضخمة لا مثيل لها عالميًا، مما يجعل الحديث عن "ضبط الأسعار" مجرد شعارات جوفاء ما دامت الحكومة لم ترفع يدها عن مدخلات الإنتاج، مشددًا على أن الحل الوحيد هو خفض الضرائب والجمارك لتحفيز الطلب، وهو ما ترفضه الحكومة المتمسكة بسياسات الجباية.
وفي النهاية فالمشهد ينتهي إلى صورة قاتمة: أسعار "شبه ثابتة" عند مستويات مرتفعة لا يقدر عليها أحد، وعروض "بلاك فرايدي" وهمية لم تحرك ساكنًا، ومصانع تتأرجح بين الإغلاق أو تقليل الإنتاج. إن استمرار الحكومة في سياسة "حلب" القطاع الصناعي والمواطن على حد سواء، وفرض رسوم جديدة تحت مسميات "وقائية"، لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة: تحويل الأجهزة الكهربائية من سلع ضرورية إلى رفاهية مستحيلة، ودفع ما تبقى من طبقة متوسطة إلى حافة الفقر.

