في معركة قانونية مرشحة لتغيير قواعد اللعبة، وصلت أولى الطعون المباشرة على تعديلات قانون الإيجار القديم إلى المحكمة الدستورية العليا، كاشفة عن تصاعد حدة الصراع بين ورثة المستأجرين والدولة ممثلة في السلطة التشريعية والتنفيذية. القانون رقم 164 لسنة 2025، الذي أقر في أغسطس الماضي، يُتهم الآن بأنه يتجاوز حدود الدستور، ويهدد استقرار مئات الآلاف من الأسر، وسط اتهامات للحكومة بتجاهل أحكام قضائية سابقة وضرب مبدأ العدالة الاجتماعية عرض الحائط.
طعون دستورية مباشرة: هل بدأت نهاية القانون المثير للجدل؟
في خطوة اعتبرها البعض بداية حقيقية لإسقاط ما سُمي بـ"قانون تصفية المستأجرين"، استقبلت المحكمة الدستورية العليا أول دعوى مباشرة تطعن في شرعية مادتين محوريتين في القانون الجديد. الدعوى، التي تقدم بها ورثة المواطن حاتم السجيني، جاءت بعد تصريح من محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وتستند إلى مخالفة مادتين أساسيتين – الثانية والسابعة – للدستور المصري، بحسب ما جاء في حيثيات الطعن.
المادة الثانية، التي تفرض فترة انتقالية مدتها سبع سنوات لإنهاء عقود الإيجار السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، قوبلت برفض شديد من جانب المستأجرين، الذين يرون فيها اعتداءً صارخًا على مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، بينما تتيح المادة السابعة إخلاء الوحدة المؤجرة إذا امتلك المستأجر مسكنًا بديلًا أو تركها مغلقة أكثر من عام، وهو ما اعتُبر مخالفة صريحة للمادة 78 من الدستور.
تحذيرات من تجاهل الدستور وأحكام القضاء
شريف الجعار، رئيس ائتلاف مستأجري مصر، لم يتردد في وصف الطعن بأنه "المسار الصحيح لإسقاط القانون"، مؤكدًا أن النصين المطعون عليهما يصطدمان بشكل مباشر مع أحكام سابقة للمحكمة الدستورية العليا، ما يُعد خرقًا دستوريًا فاضحًا من جانب المشرّع.
وأشار الجعار إلى أن المادة الثانية تتعارض مع حكم سابق أقر بحق امتداد عقد الإيجار لجيل واحد من ورثة المستأجر، بينما قلّص القانون الجديد هذا الامتداد إلى سبع سنوات فقط، مما يتناقض مع حكم دستوري واجب النفاذ.
أما بخصوص المادة السابعة، فقال الجعار إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن رفضت نصًا مشابهًا في قانون الإيجار القديم لعام 1977، حين قضت بأن امتلاك المستأجر لوحدة أخرى لا يبرر طرده من المسكن المؤجر، معتبرًا أن تجاهل هذه السابقة القضائية هو "عبث دستوري لا يمكن السكوت عليه".
الحكومة تسرّع التنفيذ وتغض الطرف عن الاعتراضات
رغم تصاعد الغضب الشعبي والاعتراضات القانونية، مضت الحكومة في تنفيذ القانون بوتيرة متسارعة. فقد بدأت المحافظات في إعلان نتائج أعمال اللجان التي شكّلها القانون، لتصنيف الأحياء إلى متميزة ومتوسطة واقتصادية، وهو التصنيف الذي سيتحدد على أساسه رفع القيمة الإيجارية.
لجان الحصر أنجزت عملها في عدد من المحافظات الكبرى مثل الجيزة والمنيا والدقهلية، في حين لا تزال العملية جارية في مناطق أخرى، وسط اتهامات بتجاهل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لهذا التصنيف المجحف بحق محدودي الدخل.
السكن مهدد والحكومة مطالبة بالتراجع
في ظل تلك المستجدات، تتعالى الأصوات المطالبة بتجميد تنفيذ القانون لحين البت في دستوريته. فمع أن القانون يلزم الحكومة بتوفير بدائل سكنية للمستأجرين الأصليين وأزواجهم قبل عام من انتهاء الفترة الانتقالية، فإن أي متابع للشأن العام يدرك جيدًا أن قدرة الدولة على تنفيذ هذا الالتزام ضعيفة، في ظل أزمات الإسكان المتراكمة وتراجع المخصصات الاجتماعية.
التهديد الحقيقي الذي يواجهه المواطنون اليوم لا يتمثل فقط في طردهم من مساكنهم، بل في انهيار ثقة المواطن في منظومة العدالة، حين يرى أن الدولة لا تلتزم بأحكام قضائية صادرة من أعلى سلطة قضائية في البلاد، بل وتشرّع قوانين جديدة تتعارض معها علنًا.
هل يتدخل القضاء لإنقاذ ما تبقى من العدالة الاجتماعية؟
تظل المحكمة الدستورية العليا، اليوم، أمام اختبار حقيقي لمكانتها كحامية للدستور وضامنة لحقوق المواطنين. الطعن المقدم ليس مجرد قضية قانونية، بل هو معركة على مفهوم العدالة نفسه.
إذا لم يتم إسقاط المواد المخالفة، فإننا سنكون أمام سابقة خطيرة تُرسخ لنهج تغليب مصالح فئات محددة على حساب الغالبية، وتفتح الباب أمام تشريعات أخرى قد تهدد استقرار ملايين المصريين.
وحده القضاء قادر الآن على إعادة التوازن بين المؤجر والمستأجر، بين الدولة والمواطن، وبين القانون والدستور.

