بعد 43 يومًا من الشلل الإداري والاضطراب السياسي، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الأربعاء 12 نوفمبر 2025 قانونًا مؤقتًا لتمويل الحكومة الفيدرالية، منهياً أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة. ورغم التصويت على القانون في مجلس النواب والموافقة عليه بغالبية جمهورية محدودة، إلا أن جذور الأزمة لم تُقتلع بعد، والخلافات الجوهرية لا تزال قائمة، ما يجعل من هذا الاتفاق مجرد هدنة مؤقتة، لا حل دائم.
تفاصيل الاتفاق: تمويل حتى نهاية يناير فقط
القانون الذي تم التوصل إليه يموّل الحكومة الفيدرالية حتى 30 يناير 2026، بينما يُمدد تمويل بعض القطاعات الحيوية فقط حتى سبتمبر 2026. وصوّت عليه 222 نائبًا مقابل 209 رفضوا، مع انضمام 6 ديمقراطيين فقط للجمهوريين في تمريره، ما يعكس هشاشة التوافق السياسي الحالي.
رئيس مجلس النواب الأميركي صرّح بأن "الحكومة ستعمل الآن بشكل طبيعي"، لكن هذا "الطبيعي" يبدو مؤقتًا ومشروطًا بتسوية سياسية لا تزال بعيدة المنال.
خلفيات الأزمة: الرعاية الصحية على رأس الخلافات
بدأ الإغلاق في 1 أكتوبر 2025 مع فشل الكونغرس في تمرير قوانين التمويل اللازمة لموازنة السنة المالية الجديدة. وكان الخلاف الرئيسي يتمحور حول الرعاية الصحية، تحديدًا مطالب الديمقراطيين بتمديد الاعتمادات الضريبية المرتبطة بـ«أوباما كير» والتي تُسهم في تقليل تكلفة التأمين الصحي للمواطنين.
الجمهوريون، في المقابل، رفضوا هذا المطلب بشدة واعتبروه "قنبلة سياسية" لا مكان لها في قانون التمويل العاجل، ما أدى إلى انهيار محاولات التوصل إلى تسوية في بداية الأزمة.
تداعيات الإغلاق: شلل إداري وخسائر اقتصادية
الإغلاق لم يكن مجرد أزمة سياسية، بل خلّف آثارًا مدمّرة على الحياة اليومية للمواطنين وعلى الاقتصاد الأميركي. فقد تعطلت آلاف المؤسسات الحكومية، وتأخرت رواتب مئات آلاف الموظفين الفيدراليين، وتوقفت بعض برامج المساعدات الغذائية، وارتبك عمل البنية التحتية، خاصة في قطاع الطيران.
تقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس أشارت إلى أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإغلاق تراوحت بين 7 إلى 14 مليار دولار، ما يضع علامات استفهام كبيرة على الكلفة السياسية والعامة لهذه الأزمات المتكررة.
اتفاق مؤقت أم ترحيل للأزمة؟
ورغم أن توقيع قانون التمويل المؤقت أنهى الإغلاق من الناحية الشكلية، فإن الخبراء والمحللين يُجمعون على أن جذور الأزمة لا تزال قائمة. القضايا الخلافية الكبرى، وعلى رأسها تمويل الرعاية الصحية والإنفاق الاجتماعي، لم تُحلّ بعد، والاتفاق لم يتضمن حلولاً دائمة.
وهذا يعني أن خطر العودة إلى الإغلاق يبقى قائمًا، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة قبل نهاية يناير المقبل، وهي مهمة تبدو صعبة في ظل الانقسام الحاد بين الحزبين.
أبعاد سياسية: مَن الرابح ومن الخاسر؟
سياسيًا، خرج كلا الطرفين من الأزمة بقدر من الخسارة. الجمهوريون، رغم أنهم فرضوا شروطهم في الاتفاق، تحمّلوا جانبًا كبيرًا من الغضب الشعبي بسبب تعطل الخدمات، خاصة مع توليهم المسؤولية التنفيذية.
أما الديمقراطيون، فقد فشلوا في فرض بند الرعاية الصحية، ما اعتُبر تراجعًا استراتيجيًا، لكنه قد يمنحهم تعاطفًا شعبيًا في الشارع، خاصة إذا تم تأطير المسألة على أنها دفاع عن الفئات الأكثر احتياجًا.
وأخيرا فانتهاء الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لا يعني انتهاء الأزمة السياسية التي قادته. القانون الذي تم تمريره يُعد مجرد مسكن مؤقت، لا يعالج الخلافات العميقة بين الحزبين حول أولويات الإنفاق العام والعدالة الاجتماعية. ومع استمرار الانقسام الحاد، يُتوقع أن تظل واشنطن تحت تهديد الإغلاق من جديد، ما لم يظهر توافق حقيقي يتجاوز الحسابات الحزبية نحو مصلحة المواطن الأميركي أولاً.

