في مشهد يعكس نهاية الدولة الوطنية وتحوّلها إلى سلعة في سوق مفتوح للمستثمرين الأجانب، دخلت الكويت رسميًا على خط الاستحواذ على ما تبقّى من أصول المصريين، لتلتحق بشقيقاتها في الخليج ممن شاركن في نهب ما تبقّى من الاقتصاد المصري تحت غطاء "الاستثمار الأجنبي".

وفق مصادر لموقع “إنتربرايز”، فإن الكويت تجري مفاوضات متقدمة مع حكومة السيسي لإطلاق حزمة استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار، تستهدف البنية التحتية، والموانئ، والصناعة، والمصارف، بل والمطارات ذاتها، في خطوة تفتح باب الخصخصة حتى في قطاعات الأمن القومي.

يحدث ذلك في ظل صمت شعبي مريب، وبرلمان تابع، وقضاء عاجز، بينما يواصل النظام بيع مصر قطعة تلو الأخرى لسد فجوة الديون والانهيار الاقتصادي الذي تسبب فيه بنفسه.
 

خصخصة السماء والأرض: المطارات في المزاد
بعد إعلان الحكومة المصرية نيتها فتح جميع المطارات أمام القطاع الخاص، وبتوجيه صريح من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بات واضحًا أن الأمر لا يقتصر على شراكات تنموية، بل هو بيع صريح للبنية السيادية للدولة.

الحديث عن طرح إدارة المطارات المصرية للخصخصة، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، يكشف عن كارثة سياسية واقتصادية كبرى. فالمطارات، كبوابات سيادية لأي دولة، تمثل بعدًا أمنيًا واستراتيجيًا لا يمكن التفريط فيه، لكن في ظل حكم السيسي، كل شيء قابل للبيع، بما في ذلك سماء مصر.

ويبدأ هذا المخطط من مطار الغردقة الدولي كمشروع تجريبي، قبل أن يشمل 11 مطارًا آخر، تمهيدًا لتسليم المطارات بالكامل للقطاع الخاص، المحلي أو الأجنبي، تحت عنوان "التطوير"، بينما الحقيقة هي التصفية الكاملة للقطاع العام.
 

الودائع الخليجية مقابل الأرض: المشتري خليجي والدفع من أموال المصريين
المصادر أكدت أن الاستثمارات الكويتية المزمعة ستُموّل جزئياً من خلال مبادلة الودائع الكويتية الموجودة لدى البنك المركزي المصري.

أي أن الكويت لن تضخ أموالاً جديدة، بل ستحوّل ودائعها المحفوظة مسبقًا في البنك المركزي إلى أصول حقيقية داخل مصر، أي أننا أمام عملية بيع علني مقابل دين قائم، تشبه كثيرًا ما قامت به الإمارات والسعودية في صفقات مماثلة.

هذه "الصفقات" تفتقر لأي نوع من الشفافية أو الرقابة البرلمانية، وتُدار من غرف مغلقة بين جهات سيادية والمستثمرين، بعيدًا عن أي مساءلة شعبية أو إعلامية، وكأن الوطن مزرعة خاصة تُدار من مكتب في المخابرات.
 

قطر تشارك في المزاد: صفقة "علم الروم" بـ30 مليار دولار
قبل أيام فقط، عقدت الحكومة صفقة ضخمة مع شركة الديار القطرية لتطوير منطقة علم الروم بمطروح، بقيمة تقارب 30 مليار دولار، منها 3.5 مليار نقدًا فقط مقابل الأرض، والباقي "استثمار عيني".

الصفقة، التي وصفها إعلام النظام بأنها "إنجاز استثماري"، تمثّل في الحقيقة نقل ملكية شاطئ مصري كامل إلى شركة تابعة لدولة أجنبية، وسط تهميش تام لأي دور مصري، سواء من القطاع العام أو المستثمرين المحليين.

هذه الصفقات تعكس أن الحكومة لم تعد تفكر في التنمية الوطنية، بل تعمل فقط على تسييل الأصول لسداد ديونها المتراكمة، وخدمة نظام سياسي فاشل وفاسد.
 

نهاية الدولة.. وبداية مرحلة "شركة مصر القابضة"
خطة حكومة الانقلاب باتت واضحة: بيع الأصول الاستراتيجية، من الموانئ إلى المطارات، ومن الأراضي إلى الشركات المصرفية، مقابل حفنة من الدولارات، تُنفق لاحقًا على خدمة الديون وشراء السلاح وتأمين النظام.

من مشروع "الصندوق السيادي" الذي لا يخضع لأي رقابة، إلى طرح أصول الشركات الوطنية، إلى بيع حقول الغاز والمياه والأراضي الشاطئية… لم تترك الحكومة شيئًا يمكن بيعه إلا وسلّمته للخارج.

حتى الاحتياطيات النقدية لم تعد محصنة؛ فالمقايضة الآن تشمل الودائع الخليجية مقابل أصول ملموسة. إنها عملية تفكيك ممنهجة لمفهوم الدولة ذات السيادة، وتحويل مصر إلى "شركة قابضة" يديرها العسكر ويشرف عليها مستثمرون أجانب.
 

خاتمة: من يملك مصر اليوم؟
السؤال الأخطر لم يعد: "متى ينتهي الانهيار الاقتصادي؟"، بل: "من يملك مصر اليوم؟"

في ظل حكم السيسي، تتحول مصر تدريجيًا من دولة ذات سيادة إلى كائن اقتصادي هش، تُدار أصوله لحساب الخارج، وتُنهب موارده بقرارات فوقية لا يعرف عنها الشعب شيئًا.
ومع كل صفقة جديدة، تتآكل السيادة، ويتحول الشعب من مالك للثروات إلى مجرد مستأجر على أرض لم تعد له.