يملك الإعلام الموالي للأجهزة الأمنية في مصر، حرية الحديث عن أي شيء ما دام لم يمس من قريب أو بعيد سلطة الحكم الحالية، ولا يتعرض لشخص عبدالفتاح السيسي ولو غمزًا، فكل شيء عدا ذلك مباحًا، ولا قيود عليه.
 

يمكن لـ "إعلام السامسونج" كما يطلق عليه أن يخترق كل المحظورات، وأن يدخل إلى قلب غرف النوم، وأن يخوض في الأعراض دون أن يجد من يطلب منه التوقف عن ذلك، ما دام يخدم الهدف الأساسي للنظام في إلهاء الناس بقضايا جدلية فارغة. 

 

واحدة من هؤلاء الذين يجيدون القيام بهذا الدور الإلهائي في خدمة السلطة، هي الفمينيست ياسمين الخطيب، المعروفة بهجومها اللاذع على الرجال في برامجها.

 

هدير عبدالرازق

 

قبل عام من الآن استضافت الخطيب في برنامجها "شاي بالياسمين" على فضائية "النهار"، البلوجر هدير عبدالرازق، عقب تداول مقطع فيديو إباحي لها، وتحدثت معها حول هذا الأمر، مما أثار جدلًا واسعًا وقت عرضها، ودفع كثيرين إلى مهاجمتها على "منح مساحة إعلامية لنماذج لا تقدم قيمة حقيقية للجمهور".

 

على إثر ذلك، أصدر طارق سعدة نقيب الإعلاميين، قرارًا بإيقاف الخطيب، واستدعائها للتحقيق. وقدمت فضائية "النهار" اعتذارًا لجمهورها عن عرض المقابلة مع هدير عبدالرازق، وقررت حذفها من جميع منصاتها على منصات التواصل الاجتماعي.

 

وعلى الرغم من اعتذار الخطيب عما وصفته بأنه "أكبر خطأ مهني ارتكبته في حياتها"، إلا أنها استمرت في هوايتها، أو بالأحرى وظيفتها في تحويل انتباه المصريين عن القضايا الجادة، وصرف أنظارهم إلى أحاديث "تافهة"، يخجل الناس من الحديث عنها في منتدياتهم.

 

زوجة عبدالله رشدي

 

والآن، عادت الخطيب للأضواء مجددًا مع استضافة أمنية حجازي، زوجة الداعية عبدالله رشدي، وخاضت معها بإسهاب في تفاصيل حياتهما الشخصية، وأعطته مساحة كبيرة للحديث عن الداعية الشاب، الذي سبق وأن تعرض لمحاولة تشويه أخلاقية بسبب مواقفها التي تغضب العلمانيين في مصر.

 

كان الحديث أشبه بمحاولة اغتيال معنوية للداعية الذي يمتلك شعبية كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، والمتهم بمعاداة "الفيمنيست"، وهو ما يجعله عرضة لحملات هجومية من وقت لآخر.

 

فما الفائدة التي ستعود على المشاهد من الوقوف على تفاصيل خلافات شخصية بين رجل وزوجته، اللهم إلا محاولة تشويه صورته، والتقليل من شعبيته، وإظهاره بشكل متناقض أمام متابعيه.

 

ليس الأمر دفاعًا عن رشدي، فهو يملك أن يرد بطريقته، لكن الإشكالية في خلل الأولويات لدى الإعلام في مصر في عهد الانقلاب، حيث بات يستخدم "لهاية" من قبل النظام، في ظل حالة الغضب الشعبي المتزايد نتيجة السياسات التي ينتهجها على مدار السنوات الماضية وحتى الآن. 

 

في واقع الأمر، استغلت "كتائب النظام" النشطة على منصات التواصل الاجتماعي، المقابلة جيدًا وعملت على الترويج لها، من أجل إلهاء الرأي العام عن الانتخابات الهزلية الجارية في مصر، وفضائح الرشاوى الانتخابية وكراتين المواد الغذائية التي يتم توزيعها على الناخبين مقابل الحصول على أصواتهم. 

 

ويبقى السؤال: إلى متى يتم استغلال الإعلام في مصر في غير مهمته الحقيقة، وهي التوعية وتبصير الرأي العام بالحقائق، لا أن يتم تزييف عقله، والتلاعب بمشاعره وعواطفه بإثارة مثل هذه القضايا السطحية، التي لا غرض منها ولا هدف من ورائها إلا ممارسة التضليل الممنهج.

 

الإعلام في مصر يعمل أولاً وأخيرًا في خدمة الأجهزة الأمنية، والتي تعمل بكل دأب لتوظيفه في خدمة أغراضها في تزييف وعي الناس وتسطيح عقولهم، يساعدها على ذلك قابلية كثير من المشاهدين للاستغفال، والتماهي مع ما تعرضه برامج الثرثرة الفضائية، متابعة، وحديثًا، وتعليقًا.