في مشهد بات يتكرر يوميًا في المحافظات المصرية، فوجئ أهالي محافظة كفر الشيخ صباح اليوم الإثنين بانقطاع شامل للتيار الكهربائي عن 19 قرية ومنطقة في 7 مراكز مختلفة، مما شلّ الحياة العامة وأثار موجة غضب واسعة بين المواطنين الذين ضاقوا ذرعًا من تبريرات الحكومة وشركة الكهرباء التي تواصل التغطية على عجز المنظومة الكهربائية وفشلها المزمن في إدارة الأزمات.
وبينما تزعم شركة شمال الدلتا لتوزيع الكهرباء أن الانقطاع “مؤقت” ويأتي ضمن خطة “رفع كفاءة الشبكة”، يرى الأهالي أن ما يجري ليس سوى استمرار لمسلسل التدهور الخدمي، وأن بيانات الصيانة الدورية ما هي إلا غطاء رسمي للتقليل من حجم الأزمة المتصاعدة.
19 قرية في ظلام دامس
منذ ساعات الصباح الأولى، استيقظ الآلاف من سكان قرى كفر الشيخ على غياب الكهرباء والمياه معًا، بعد أن انقطعت التغذية عن نحو 19 قرية ومنطقة تشمل شنو، وشباس الشهداء، والخريجين، والرملي، وأبو مصطفى، والضبعة، وأبو سكين، والسبايعة، والمعدية، وأبو خشبة، وقومسيون شرق، والفاو، والدوايدة، والدهر، وعثمان، والحمراوي، وأريمون، وأبو عربان.
الانقطاع المفاجئ طال منازل المواطنين والمستشفيات والمخابز والمصالح الحكومية، مما أربك سير العمل والخدمات الحيوية. وأفاد شهود عيان أن الانقطاع تجاوز الساعات المحددة التي أعلنتها الشركة (من الثامنة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا)، ما زاد من حالة الاحتقان الشعبي في القرى المتضررة.
تبريرات رسمية وواقع منقطع
في بيان صادر عنها، زعمت شركة شمال الدلتا أن فصل التيار الكهربائي يأتي ضمن خطة الصيانة الدورية “لتحسين جودة التغذية الكهربائية”، مؤكدة أن فرق الصيانة الميدانية تعمل وفق “برنامج زمني دقيق”.
لكن الأهالي يؤكدون أن هذه المبررات لا تصمد أمام الواقع اليومي، حيث تكررت الانقطاعات طوال الأشهر الماضية دون أي تحسن ملموس في الخدمة، فيما تتصاعد فواتير الكهرباء بوتيرة جنونية تحت بند “التطوير والصيانة”.
ويرى مراقبون أن البيانات الحكومية المتكررة حول “رفع الكفاءة” أصبحت عبارة إنشائية مكررة لتبرير الانقطاع، في وقت تعاني فيه مصر من أزمة طاقة حقيقية نتيجة الإهمال وسوء الإدارة وغياب الشفافية في إدارة الموارد.
كما أشار عدد من الأهالي إلى أن الشركة لم تعلن مسبقًا عن جدول الانقطاع، ما تسبب في خسائر مادية لأصحاب الورش والمحال التجارية، فضلاً عن تعطل الأجهزة الطبية في بعض العيادات الخاصة.
أكاذيب الصيانة وغياب الشفافية
ورغم ادعاء الشركة حرصها على “تنبيه المواطنين والمؤسسات الخدمية والمستشفيات والمصالح الحكومية”، أكد سكان المناطق المتضررة أن التحذيرات لم تصل إلى معظم القرى، وأنهم فوجئوا بالانقطاع دون سابق إنذار.
ويصف أحد الأهالي المشهد بقوله: “يتحدثون عن خطة رفع كفاءة الشبكة وكأننا نعيش في أوروبا، بينما نحن نعيش في ظلام دامس منذ الفجر، والموظفون لا يستطيعون العمل، والمياه انقطعت لأن المحطات لا تعمل بدون كهرباء”.
هذه التناقضات تثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في معالجة أزمة الكهرباء، خصوصًا في ظل استمرار الحديث الرسمي عن “استقرار الشبكة القومية” و“تصدير الكهرباء للدول المجاورة”، بينما يعيش المواطن المصري بين انقطاعات متكررة وارتفاع فواتير غير مبرر.
عجز حكومي متراكم
يُجمع خبراء الطاقة على أن الأزمة الحالية ليست ناتجة عن أعمال صيانة كما تزعم الحكومة، بل هي نتاج مباشر لسياسات فاشلة اتبعتها وزارة الكهرباء منذ سنوات، أبرزها سوء توزيع الأحمال، وتهالك البنية التحتية، وتجميد الاستثمارات في خطوط النقل والتوزيع، مع استمرار إهمال المحافظات الريفية لصالح المدن الكبرى.
ويؤكد هؤلاء أن الحكومة تتبع سياسة التعتيم الإعلامي، إذ تتحدث عن خطط تطوير بمليارات الجنيهات بينما يعاني المواطن في القرى من انقطاع يومي، دون أي تعويض أو حلول عاجلة.
ويرى مراقبون أن الأزمة الحالية في كفر الشيخ تكشف عن انفصال تام بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، حيث تواصل وزارة الكهرباء وشركاتها إصدار بيانات مكررة تتحدث عن “تحسين الخدمة” بينما تتزايد شكاوى المواطنين في كل المحافظات.
غضب شعبي ومطالب بالمحاسبة
تصاعدت دعوات الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي من أبناء كفر الشيخ الذين وصفوا ما حدث بأنه "إهمال ممنهج" و"فشل إداري فاضح"، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن تكرار الانقطاع دون حلول جذرية.
وطالب الأهالي بتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بمحالهم التجارية وأجهزتهم الكهربائية، متسائلين: “كيف نتحدث عن تنمية وصناعة وزراعة في محافظة كاملة تغرق في الظلام لعدة ساعات يوميًا؟”.
كما انتقد ناشطون ما وصفوه بـ ازدواجية المعايير الحكومية، إذ تُبرر الانقطاعات في القرى بحجج الصيانة، بينما تُخصص الكهرباء بلا انقطاع للمناطق السياحية والمشروعات الكبرى.
الظلام عنوان المرحلة
تكشف أزمة كفر الشيخ أن ملف الكهرباء في مصر لم يعد قضية فنية بل سياسية، وأن الحكومة التي تتحدث عن "استدامة التغذية الكهربائية" باتت عاجزة حتى عن تأمين التيار لسكان الريف.
إن تكرار هذا المشهد في محافظات الجمهورية يومًا بعد يوم يؤكد أن العجز الحكومي أصبح ممنهجًا، وأن بيانات التبرير لم تعد تقنع أحدًا.
فبينما تتحدث الدولة عن “خطة تطوير الشبكة القومية”، يعيش المواطن البسيط تحت رحمة انقطاع مفاجئ لا يجد له تفسيرًا سوى سوء الإدارة واستمرار سياسة التجميل الإعلامي التي تخفي وراءها ظلامًا كهربائيًا وحقوقيًا متعمقًا في جسد الوطن.

