وسط موجة من الاحتجاجات العمالية المتنامية في مصر، صعّد نحو 400 عامل في شركة "مفكو حلوان" للأثاث احتجاجهم ضد إدارة الشركة، متهمين إياها برفض تنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، رغم تدهور أوضاعهم المعيشية. وتأتي هذه التحركات ضمن سياق أوسع من الاضطرابات في سوق العمل، مدفوعة بارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية للعمال.
 

أجور متدنية رغم عقود من العمل

 

بحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن أجور عمال "مفكو" تتراوح بين 3300 و4000 جنيه شهريًا، وهو ما يقل بكثير عن خط الفقر الذي يُقدره الخبراء بنحو 9000 جنيه للأسرة الواحدة. وأشارت المفوضية إلى أن بعض العمال قضوا أكثر من 35 عامًا في العمل، دون أي تحسين حقيقي في أوضاعهم المادية أو الوظيفية.

 

وقال العمال إن إدارة الشركة تمتنع عن تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بشأن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، مؤكدين أن الوضع المعيشي أصبح لا يُحتمل، في ظل موجات الغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما اضطر العديد منهم للبحث عن وظائف إضافية لتأمين احتياجات أسرهم.
 

تعسف إداري وتجاهل للمطالب

 

قدّم العمال شكوى جماعية إلى مكتب العمل بحلوان للمرة الثانية خلال شهر، غير أن المكتب اكتفى بإحالة الشكوى إلى المحكمة، مع تحديد جلسة بعد 66 يومًا، ما وصفته المفوضية بـ"التجاهل لحالة الاستعجال". وبينما ينتظر العمال النظر في قضيتهم، أقدمت الشركة على اتخاذ إجراءات وصفت بالانتقامية، تمثلت في تحويل بعضهم للتحقيق وإيقاف آخرين عن العمل وخصم أيام من رواتبهم.

 

ونقل البيان عن رئيس مجلس إدارة الشركة قوله ردًا على مطالبهم: "اللي عمل القرار هو اللي ييجي ينفذه"، وهو ما اعتبرته المفوضية "استهانة بسيادة القانون".
 

خلفية الأزمة: اتفاقيات مُجمّدة وحقوق مُعطلة

 

تعود جذور الأزمة إلى اتفاقية جماعية أُبرمت عام 2011، أقرت فيها الإدارة بصرف بدل مخاطر ووجبة وتعويضات عن الإجازات وفروقات العلاوة. إلا أن الشركة تجنبت تنفيذ هذه الاتفاقية، وقامت لاحقًا بتجميد الأجور، ورفضت صرف الإجازات المرضية وتعويضات إصابات العمل.

 

وتتهم المفوضية وزارة القوى العاملة بعرقلة جهود تأسيس لجنة نقابية تمثل العمال، ما يحرمهم من حقهم الدستوري في المفاوضة الجماعية والدفاع عن مصالحهم المشروعة.
 

تدهور بيئة العمل وتفاقم الإصابات

 

منذ توقف الشركة عن تعيين عمال جدد في عام 2010، انخفض عدد العاملين من 3500 إلى نحو 750 فقط، ما حمّل العمال الحاليين عبء الإنتاج الكامل. ورصدت المفوضية تزايدًا في عدد إصابات العمل نتيجة الإجهاد ونقص الأيدي العاملة، بينما تمتنع الشركة عن صرف الإجازات المرضية أو تعويضات الإصابات.


ويؤكد العمال أنهم باتوا يواجهون ضغطًا جسديًا ونفسيًا كبيرًا دون أي حماية قانونية، في ظل تجاهل تام من الإدارة التي تستمر في الإنتاج بشكل طبيعي، متناسية حقوق ومطالب من يقومون عليه.
 

الاحتجاجات العمالية… صوت يتصاعد في وجه الغلاء

 

تأتي أزمة "مفكو حلوان" في سياق موجة احتجاجات عمالية تمتد في قطاعات مختلفة خلال الأشهر الأخيرة، خاصة في ظل تراجع القوة الشرائية نتيجة الغلاء. ويطالب العمال في مختلف القطاعات برفع الأجور بما يتناسب مع مستويات الأسعار، وتطبيق قرارات الحد الأدنى للأجور بشكل فعلي، وليس كإجراء شكلي.

 

ومع غياب قنوات حقيقية للتفاوض النقابي، تلجأ العديد من الإدارات لسياسات العقاب والترهيب، ما يدفع العمال إلى المزيد من التصعيد والمواجهة، ويُعرض بيئة العمل لمزيد من التوتر.
 

مطالب عاجلة وتوصيات حقوقية

 

طالبت المفوضية وزارة القوى العاملة بالتدخل العاجل لإجبار الشركة على الالتزام بالقانون وتطبيق الحد الأدنى للأجور، والتحقيق في انتهاكات السلامة المهنية، وتفعيل القضاء العمالي المستعجل. كما دعت إلى إعادة النظر في منظومة حماية العمال في القطاع الخاص، وضمان حقهم في التنظيم النقابي.

 

ختاما فبينما تواصل شركة "مفكو حلوان" الإنتاج بشكل اعتيادي، يواجه عمالها واقعًا قاسيًا من الإهمال والتعسف، ويصطدمون بجدار من التجاهل الحكومي والقانوني. في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، تمثل هذه الأزمة نموذجًا متكررًا في سوق العمل المصري، حيث يتصاعد صوت العمال، لكن من دون استجابة توازي معاناتهم.