تُبرز المفارقة الصارخة بين الترحيب الحافل الذي حظيت به النجمة العالمية جينيفر لوبيز في السعودية، والمعاملة القاسية التي يواجهها بعض المعتمرين، مثل حالة المواطن المصري الذي اعتقل مؤخرًا، جدلاً عميقًا حول هوية المملكة الجديدة التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.

 

فبينما تُفتح أبواب البلاد على مصراعيها للنجوم العالميين ضمن فعاليات ترفيهية باذخة، يُغلق باب التسامح في وجه زوار بيت الله الحرام الذين قد تصدر عنهم أي بادرة سياسية أو دعاء لا يتماشى مع الخط الرسمي، وهو ما يعزز الأصوات المطالبة بتدويل إدارة الحرمين الشريفين لضمان حياديتها.

 

استقبال النجوم: حين تصبح السعودية مسرحًا عالميًا

 

في أبريل 2025، أشعلت جينيفر لوبيز حماس جمهورها في حفل ضخم أقيم على هامش سباق "جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1" في جدة، ووُصفت مشاركتها بأنها "ليلة لا تُنسى".

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها المملكة نجومًا عالميين، فقد أصبحت الحفلات الموسيقية وعروض الأزياء جزءًا أساسيًا من "موسم الرياض" وغيره من الفعاليات التي تهدف إلى تقديم صورة منفتحة وعصرية عن المملكة ضمن "رؤية 2030".

 

هذا الانفتاح، الذي يأتي بعد عقود من الانغلاق، يُقابل بترحيب رسمي وإعلامي كبير، حيث يُنظر إلى هؤلاء النجوم كأدوات للقوة الناعمة تساهم في جذب الاستثمارات والسياحة وتغيير الصورة النمطية عن البلاد.

 

محنة المعتمر: عندما يكون الدعاء جريمة

 

على النقيض تمامًا من هذا الاحتفاء، تأتي قصة المعتمر المصري الذي ألقت السلطات السعودية القبض عليه من داخل الحرم المكي. سبب الاعتقال، كما يتضح من حالات مشابهة، غالبًا ما يكون مرتبطًا بالتعبير عن آراء سياسية أو ترديد هتافات أو أدعية تتعلق بقضايا إسلامية كبرى، مثل الدعاء لأهل فلسطين، وهو ما تعتبره السلطات "تسييسًا للشعائر الدينية".

 

يتم التعامل مع هذه الحالات بحزم شديد، حيث يواجه المعتمرون الاعتقال والمحاكمة وأحكامًا بالسجن، في إجراءات يصفها حقوقيون بأنها قمعية وتتعارض مع حرية التعبير والعبادة. هذه المعاملة لا تقتصر على المصريين فقط، بل طالت معتمرين وحجاجًا من جنسيات مختلفة، مما يخلق شعورًا لدى قطاعات واسعة من المسلمين بأن أداء الشعائر في الأماكن المقدسة بات محفوفًا بالمخاطر السياسية، وأن الضيافة السعودية مشروطة بالصمت التام عن قضايا الأمة.

 

ومن جهته قال المحامي طارق العوضي " #فضيحة داخل الحرم الشريف! #معتمر مصري يتعرّض لاعتداء من رجل أمن داخل أقدس بقاع الأرض… والمفارقة الصادمة أن الضحية هو من تم ايقافه واعتقاله !!! هذا ليس مجرد #خطأ شخصي، بل #سلوك لا يمكن السكوت عنه. نطالب فورًا بـ: إطلاق سراح #المعتمر فورًا وإلغاء أي إجراء تعسفي بحقه."

 

 

بينما أشار الشيخ سلامة عبدالقوي " تم القبض على مصور الفيديو و المعتمر المُحرم، وتركوا العسكري المجرم !!"
 

 

دعوات التدويل: رد فعل على "السيادة المشروطة"

 

نتيجة لهذه الممارسات، تتعالى بشكل متزايد الأصوات التي تطالب بـ "تدويل إدارة الحرمين الشريفين"، أي وضع مكة والمدينة تحت إدارة هيئة إسلامية مشتركة بدلاً من السيطرة السعودية المنفردة.

 

يرى أصحاب هذا الطرح أن السعودية تستخدم ورقة "خدمة الحرمين" كأداة سياسية لمعاقبة معارضيها وتمرير أجندتها، وأنها لم تعد مؤتمنة على ضمان حرية وأمن جميع المسلمين على أراضيها.

 

وتتغذى هذه الدعوات من التناقضات الواضحة في السياسة السعودية: ففي الوقت الذي تسمح فيه بالرقص والغناء و"الانفتاح" الذي قد يراه البعض مخالفًا للتقاليد المحافظة، فإنها تشدد قبضتها الأمنية على أي صوت دعاء أو تضامن سياسي في أقدس البقاع. هذه الازدواجية تقدم حجة قوية لمن يتهمون المملكة بأنها تفصل الدين عن الدولة عندما يخدم ذلك صورتها أمام الغرب، وتستخدم الدين كأداة قمع عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على المجال العام الإسلامي.

 

هوية ممزقة

 

إن الاختلاف الهائل في التعامل بين نجمة بوب عالمية ومعتمر بسيط، يكشف عن أزمة هوية عميقة تعيشها السعودية. فالمملكة تبدو ممزقة بين رغبتها في الانفتاح على العالم كقوة اقتصادية وترفيهية حديثة، وبين تمسكها بدورها التقليدي كحامية للأماكن المقدسة وفق شروطها السياسية الصارمة. هذا التناقض لا يثير غضب المسلمين وحقوقيين فحسب، بل يقدم مبررًا قويًا لمن يسعون لنزع ورقة "خدمة الحرمين" من يدها، بحجة أنها لم تعد الحاكم المحايد، بل لاعب سياسي يفرض رؤيته الخاصة على العالم الإسلامي بأسره.