في الثاني من نوفمبر من كل عام، يحيي العالم اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وهو يوم خُصص لتسليط الضوء على الجرائم التي تُرتكب بحق الإعلاميين والدعوة إلى محاسبة المسؤولين عنها.
وفي الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى حماية الكلمة الحرة وضمان سلامة الصحفيين، تُعدّ مصر — وفق منظمات حقوقية ودولية — واحدة من أكثر الدول التي يتعرض فيها الصحفيون لانتهاكاتٍ جسيمة، وسط غياب المساءلة واستمرار ثقافة الإفلات من العقاب.
الأمن الوطني.. ذراع القمع الرئيسي ضد الصحافة
تُتهم أجهزة الأمن وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقًا)، بانتهاج سياسة ممنهجة تستهدف الصحفيين والعاملين في الإعلام.
وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب الجسدي والنفسي، والمحاكمات غير العادلة التي تنتهي غالبًا بأحكام قاسية أو حبس احتياطي ممتد لسنوات دون محاكمة.
ورغم الإدانات الدولية والدعوات المتكررة لاحترام حرية الصحافة، ما تزال مصر تحافظ على مركز متدنٍ في تصنيف “مراسلون بلا حدود” لعام 2025، حيث جاءت في المرتبة 170 من أصل 180 دولة، فيما تُعدّ الثالثة عالميًا في عدد الصحفيين المعتقلين.
وتوثّق الشبكة المصرية لحقوق الإنسان استمرار الانتهاكات بحق العشرات من الصحفيين، مؤكدةً أن الإفلات من العقاب أصبح نهجًا راسخًا لدى الأجهزة الأمنية، في ظل صمت النيابة العامة وتقاعس مؤسسات الدولة عن مساءلة المتورطين في تلك الجرائم.
الصحافة في مصر.. مهنة محفوفة بالخطر
خلف القضبان، يقبع عشرات الصحفيين والمصورين والإعلاميين في سجون ومراكز احتجاز مختلفة، يعانون من ظروف قاسية وانتهاكات متكررة. وتُستخدم تهم فضفاضة مثل “نشر أخبار كاذبة” و“الانضمام إلى جماعة إرهابية” كذريعة لتكميم الأفواه.
ومن بين هؤلاء الصحفيين، يقدم هذا التقرير نماذج إنسانية مؤلمة تكشف عمق الأزمة التي تعصف بحرية الصحافة في البلاد:
- إسماعيل الإسكندراني – الباحث والصحفي الاستقصائي
اعتُقل للمرة الثانية في سبتمبر 2025 أثناء عودته من واحة سيوة، بعد سنوات من الملاحقة بسبب تحقيقاته حول سيناء. وُجهت إليه الاتهامات المعتادة: “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و“نشر أخبار كاذبة”.
قضى الإسكندراني سابقًا سبع سنوات في السجن، بعد أن حُكم عليه في محاكمة عسكرية عام 2015، ثم أُفرج عنه ليُعاد اعتقاله مجددًا.
- صفاء الكوربيجي – صوت النساء في الإعلام
الصحفية بمجلة “الإذاعة والتليفزيون”، من ذوي الإعاقة الحركية، اعتُقلت مجددًا في أكتوبر 2025 بعد منشور تحدثت فيه عن تهجير أهالي مطروح. واجهت اتهامات بـ“الانضمام إلى جماعة إرهابية” و“تمويل الإرهاب”، وتم ترحيلها إلى سجن العاشر من رمضان (تأهيل 4)، رغم حاجتها إلى رعاية طبية خاصة.
- توفيق غانم – المخضرم الذي لم ينجُ من القمع
أحد أبرز الصحفيين المخضرمين، يبلغ من العمر 69 عامًا. قضى أكثر من أربع سنوات ونصف في الحبس الاحتياطي بعد اتهامه بالعمل لصالح وكالة الأناضول التركية.
يعاني من أمراض مزمنة منها السكري والتهاب الأعصاب وتضخم البروستاتا، ويحرم من العلاج والرعاية الصحية داخل محبسه.
- حمدي مختار (الزعيم) – خمس سنوات من الحبس الاحتياطي
المصور الصحفي الذي اعتُقل في يناير 2021 عقب مداهمة منزله. اختفى قسريًا لأيام، ثم ظهر أمام نيابة أمن الدولة ليُحبس احتياطيًا منذ خمس سنوات دون محاكمة.
- محمد سعد خطاب – صحفي سبعيني يصارع المرض خلف القضبان
الكاتب الصحفي البالغ من العمر 71 عامًا، يُحتجز في مركز تأهيل العاشر من رمضان على ذمة قضية تتعلق بـ“نشر أخبار كاذبة”.
يعاني من أمراض قلبية ومناعية ويحتاج إلى أدوية يومية، إلا أن إدارة السجن تحرمه من الرعاية الصحية الكافية.
- بدر محمد بدر – غياب العدالة بعد 8 سنوات
اعتُقل لأول مرة عام 2017، ورغم تجاوزه الحد القانوني للحبس الاحتياطي، أعيد احتجازه في قضية جديدة بعد قرار إخلاء سبيله. يعاني من مرض السكري وتدهور حالته الصحية في ظل ظروف احتجاز سيئة.
- محمد الشاعر – مصور غُيّب لخمسة أعوام
اعتُقل من منزله في سبتمبر 2019، واختفى قسريًا لشهرين قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة. منذ ذلك الحين، وهو في حبس احتياطي للعام الخامس، تاركًا خلفه زوجة وثلاث بنات ينتظرن عودته.
صمت رسمي يقابله تحرك حقوقي
تؤكد الشبكة المصرية أن استمرار احتجاز الصحفيين يمثل انتهاكًا صارخًا للدستور المصري والمواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وتحذر من أن الإفلات من العقاب لا يهدد فقط حرية الصحافة، بل يقوّض العدالة ويعزز ثقافة الخوف والقمع.
https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/850374354010292?ref=embed_post
بيان مركز الشهاب لحقوق الإنسان
في بيانٍ حديث، أعرب مركز الشهاب لحقوق الإنسان عن قلقه العميق من تصاعد الانتهاكات ضد الصحفيين في مصر، مشيرًا إلى استمرار الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وسوء المعاملة، واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب كأداة لقمع حرية الإعلام.
وطالب المركز بـ: الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المحتجزين بسبب آرائهم أو أعمالهم، ووقف استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة سياسية، وتعديل التشريعات المقيدة لحرية الصحافة بما يتوافق مع التزامات مصر الدولية، وضمان بيئة آمنة لحرية التعبير وحق المجتمع في المعرفة.
https://www.facebook.com/elshehab.ngo/posts/1230310502476728?ref=embed_post

