محمد طلبة رضوان
كاتب صحافي
"أرجوك امسح الرسائل بعد انتهاء المحادثة"... هذه هي العبارة التي يكرّرها أصدقاء في "الداخل المصري" قبل التواصل وفي أثنائه وبعده. أيًّا كان موضوع الحوار؛ فقد يكون التليفون مُراقَبًا، فإذا لم يكن، فأنت مُعرَّض في أي وقت للإيقاف وتفتيش هاتفك المحمول ورسائلك الخاصة، ومجرّد التطرّق إلى السياسة (ولو تأييدًا) قد يعرّضك للسجن. هكذا أخبرني صديقٌ يعمل في مؤسّسة صحافية "حكومية". أوقفه ضابط، وطلب منه فتح "فيسبوك" و"إكس"، وفتّش وسأل: لماذا تكتب في السياسة؟ فأجابه: هذا عملي، وما قرأته تغطيات شاركتُ فيها، لكنّها ليست ضدّ الدولة. ردّ الضابط: لا يعنيني مع الدولة أو ضدّها، المهم أنه كلام في السياسة.
قضى صديقي يومًا كاملًا في قسم الشرطة، تعرّض فيه للضرب والشتم، قبل أن ينقذه رئيس تحريره "الواصل". وخرج يسأل نفسه: ماذا لو كنتُ مواطنًا عاديًّا؟ أو كان رئيسي صحافيًّا عاديًّا، وليس ممّن يقابلون رئيس الجمهورية؟ ماذا لو لم يرَني أحد زملائي مصادفة في قسم الشرطة، فيُخبر رئيسي؟ ماذا لو لم يكن مأمور القسم "معرفة" وأصرّ على استكمال الإجراءات؟
نجا صديقي، ولم ينله سوى لكمة قوية في أنفه أسالت بعض الدم، وصفعة حمّرت وجهه نصف نهار، وبعض الشتائم التي نالت السيدة والدته. نجا، لكنّه خرج من التجربة خائفًا من مهنته، ومن هاتفه المحمول، ومن شوارع وسط البلد، ومن المشي، مجرّد المشي. كما أنه بات أكثر اهتمامًا بأخبار المسجونين… يتابعها من بيته. نجا وعاد إلى أولاده، وما سبق لم يكن سوى قصة أحد الناجين. فكيف تنجو بدورك، وتعيش في مصر من دون أن تدخل السجن؟ إليك تعليمات النجاة الرسمية...
لا تكتب: احترس من "السوشيال ميديا"؛ فهي ليست مساحة للتعبير، بل مصيدة. لا تدوّن، لا تعلّق، لا تشارك، لا "لايك" في المكان الغلط. امسح التطبيقات كلّها. فإذا اضطررت، بحكم عملك أو رغبتك في معرفة ما يحدُث حولك، لا تتابع سوى أقاربك؛ إلا إذا كان أحدهم من "المؤثّرين": أي مؤثّر في أي مجال خطرٌ على نفسه وعليك، ولو كان مؤثّرًا في الطبخ، في الموضة، في كرة القدم، في "الأبراج". ولا يعني أنه مع الدولة، مؤيّدًا أو "لجنة" أو أدنى من ذلك، أنه "أمان"؛ ففي أي لحظة يتغيّر مزاج الضابط الأقوى على الأضعف، فيقبض على صبيانه تأديبًا… لا نجاة.
لا تنجح: "الرأس التي تعلو تُقْطَع". فلا تسمح لنفسك بالنجاح "الظاهر". انجح في سرّك، اخفِض من صوتك ومن أثرك، ومن حيّز وجودك. لا علاقة للسياسة بالموضوع، بل مجرّد النجاح. لا تلمع؛ لا أكثر من مديرك ولا أقل. مديرك (في الأغلب) فاشل ومريضٌ نفسيًّا، ومن ثمّ هو لا يطيق مجرّد نجاحك. المواطن الصالح هو الباهت، أمّا الناجح فهو المواطن الصالح للسجن. هكذا يخبرك مثال البلوغر محمّد عبد العاطي؛ لم يفعل شيئًا، فيديوهات ساخرة، لا علاقة لها بالسياسة، أو بأي شيء مهم، لكنّها ناجحة، وفيها مساحة من المرح، من البهجة، من الحرية. سجنوه سنتَيْن، وطبعًا عندهم "حقّ"، فلو تعوّد المواطن على الضحك من غير سبب، فماذا سيفعل لو توفّرت الأسباب؟ ولو تشرَّب المواطن منطق المُهرِّجين في مواقع التواصل، فقد ينتبه إلى نظائرهم في مواقع السلطة. اليوم يضحك على عبد العاطي، وغدًا على مَن؟ (بسم الله الرحمن الرحيم).
لا تتخذ موقفًا: لا مع ولا ضدّ. قد تكون مع تزوير الانتخابات فيلغونها، أو ضدّه فيزوّرونها. وإذا سألت: لماذا ألغوا التزوير الأول وأقرّوا الثاني؟ فلن تجد جوابًا إلا السجن. تابع وهُزَّ رأسَك، مثل رئيس الوزراء وهو يسمع رئيس الجمهورية. الشيء وضدّه صحيحان، شرط ألّا تقول بلسانك إنهما صحيحان؛ فقد يغيّر الرئيس رأيه في رأسه، ويحمّلك المسؤولية. فقط هُزَّ رأسَك، واسجن نفسك في رأسك؛ فذلك أهون من أن يسجنك رأس الدولة.
أخيرًا: لا تَأمَن؛ فذلك كلّه غيرُ كافٍ، وليس لها من دون الله كاشفة.

