شعور متناقض يمر به كثير من المصريين أثناء متابعتهم الاستعدادات الجارية لافتتاح المتحف المصري الكبير السبت، بحضور 40 من قادة دول العالم، ما بين الشعور بالسعادة والزهو بالمتحف الذي يضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، والذي تقدر تكلفته بنحو ملياري دولار، وفقًا لوزير الآثار الأسبق، زاهي هواس، وما بين الحزن على ما انتهت إليه أحوالهم وأوضاعهم تحت حكم العسكر، دون الالتفات إليهم، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية.
ربما يندب البعض حظه الآن لأنه يعيش تلك الحقبة المظلمة من تاريخ مصر، يعاني الأمرين وهو يدفع ثمن سياسات لم يشارك في وضعها، ولا يملك الاعتراض على مشاريع اختلط فيها الطموح الشخصي بالفساد المؤسسي، وكانت سببًا رئيسًا في تلك أحوال المصريين عمومًا، وأدت إلى تآكل الطبقة الوسطى، التي تمثل رمانة الميزان للمجتمع، وتضم الشريحة العظمى من هذا الشعب.
حياة كريمة
الحقيقة المؤكدة، أنه لا أحد يرفض أو يعترض على إقامة مشروع قومي بهذه الضخامة، لكنه لا يستطيع أن يلجم زناد فكره ويتساءل عن السبب الذي يجعل من يسيرون أمور هذا البلد يغمضون أعينهم عن حقهم في أن يتمتعوا بحياة كريمة مثل سائر شعوب الأرض، من غير إهدار لكرامتهم، أو قمع حرياتهم.
ستجد هؤلاء يسألون أنفسهم: لماذا ونحن نسمع عن تلك الأرقام المليارية التي تم إنفاقها على مشروع تشيدد المتحف المصري الكبير، لا نسمع عن أرقام مماثلة يتم تخصيصها لمشاريع ترتقي بحياة الإنسان في مصر، على سبيل المثال: بناء مستشفى ضخم في كل محافظة من محافظات مصر يحصل فيه المواطن على حقه في العلاج فيه بشكل آدمي، لا يضطر معه المواطن البسيط أن يتسول ثمن علاجه، أو ينتظر الموت إن لم يجد من يقف بجواره.
انعدام للخدمات
ستجد ذلك المواطن الذي يعيش في منطقة عشوائية، أو قرية، أو نجع يمصمص شفاهه في حسرة عن سر المبالغة في تشييد مشاريع تتضاءل أهميتها بالمقارنة بالخدمات ذات الأولوية لملايين المواطنين في ربوع مصر، من مياه، وصرف صحي، ورصف الطرق.
قد يندفع البعض إلى المطالبة بمعاملته مثل "أجداده الفراعنة" وأن يلقى الاهتمام مثلهم حيًا لا ميتًا، في توفير حياة كريمة له، لا يضطر معها إلى العمل في أكثر من وظيفة لساعات طويلة مقابل مبلغ يكفي بالكاد احتياجاته الأساسية، ويمضي بقية حياته "مربوطًا في ساقية"، لا يذوق طعم الراحة، ولا يهنأ بحياته.
قهر أمني
الغريب في الأمر أن هذا المواطن الذي لن يكون بوسعه شراء تذاكر له ولأفراد أسرته لزيارة المتحف، والاستمتاع بنزهة في أجواء الأهرامات، هو الذي سيضطر إلى أن يُحبس في بيته حتى الانتهاء من الاحتفال، والاحتفاء بالضيوف من كبار قادة دول العالم، بعد أن تحولت شوارع القاهرة والجيزة إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، وأصبح التحرك فيها مقيدًا إلى حد كبير، خوفًا من أن يجد نفسه "وراء الشمس".
المواطن "الغلبان" لا يريد أن يضرب كرسي في كلوب افتتاح المتحف، ولا أن يعكنن على السادة الكبار، لكنه يمني نفسه، ويحلم بأن يعيش مستورًا في بلد كانوا يقولون عنه: "ما حدش فيه بيموت من الجوع"، لكن واقع الحال يقول إن جرائم القتيل الأسرية ترتبط بشكل أو بآخر بالوضع الاقتصادين نتيجة شظف العيش وضيق الحال.
المصريون سعداء رغم ذلك، لكن سعادتهم كانت ستكتمل لو أنهم تخلصوا من أغلال القمع والاستبداد التي تجثم على أنفاسهم وحرمتهم من الحرية، لو أنهم استطاعوا أن يختاروا من يحكمهم بأنفسهم، لا أن يقبلوا مرغمين بديكتاتور مفروض عليهم، لا يعيرهم أي اهتمام، ولا ينظر إلى نفسه وتلك المؤسسة القادم منها خشية الانقلاب عليه كما فعل مع من قبله.

