في خطوة تُعدّ من أكثر التصعيدات الأميركية جدّية في الكاريبي منذ عقود، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن إرسال مجموعة ضاربة من حاملة الطائرات جيرالد آر فورد إلى مياه الكاريبي، قرب السواحل الفنزويلية، في إطار ما وصفته واشنطن بأنه "معركة ضد تهريب المخدرات"، بينما يرى محللون أن الهدف الحقيقي هو الضغط السياسي والعسكري على الرئيس نيكولاس مادورو وإضعاف حكومته.

التحرك الأميركي جاء بعد سلسلة من الضربات الجوية ضد زوارق قالت واشنطن إنها كانت تحمل شحنات مخدرات قرب المياه الإقليمية الفنزويلية، وهو ما اعتبرته كاراكاس عملاً عدوانيًا متعمّدًا تحت غطاء مكافحة التهريب، خاصة مع التوقيت السياسي الحساس الذي تمر به البلاد قبل الانتخابات المقررة مطلع العام المقبل.

 

فنزويلا تستشعر التهديد وتستعين بموسكو

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اعتبر الخطوة الأميركية بمثابة إعلان حرب غير معلنة، وقال إن بلاده تواجه "عدوانًا مُفتعلًا" الهدف منه إسقاط النظام الشرعي في كاراكاس.
مادورو كشف أن حكومته بدأت في نشر منظومات دفاع جوي روسية الصنع حول المناطق الاستراتيجية، وأن الجيش الفنزويلي في حالة "تأهب قصوى" لأي تحرك غير مبرر من القوات الأميركية.

في المقابل، أكد وزير الدفاع الفنزويلي أن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي" أمام أي محاولة لانتهاك سيادتها، مشيرًا إلى أن الجيش الفنزويلي عزز مواقعه الساحلية ووضع وحدات الصواريخ والطائرات الاعتراضية في جاهزية كاملة، بدعم تقني ولوجستي من روسيا.

 

ذرائع واشنطن… ومخاوف كاراكاس

تقول الإدارة الأميركية إن تحركاتها البحرية تأتي ضمن عمليات مكافحة تهريب المخدرات في البحر الكاريبي، لكن مراقبين يرون أن الولايات المتحدة تعيد إحياء أسلوب التدخل العسكري غير المباشر في أميركا اللاتينية، مستغلّةً ملفات الأمن والمخدرات كغطاء سياسي.

وجود حاملة طائرات بهذا الحجم في منطقة تعتبرها فنزويلا مجالًا حيويًا لأمنها القومي لا يمكن تفسيره إلا على أنه رسالة ضغط قوية إلى مادورو، خصوصًا بعد تقاربه الأخير مع روسيا وإيران، ورفضه الانصياع للضغوط الغربية بشأن ملف النفط والعقوبات.

 

أهداف أبعد من “المخدرات”

المحللون يؤكدون أن التحرك الأميركي يحمل أبعادًا تتجاوز الذريعة المعلنة، فالإدارة الأميركية تسعى إلى:

  • إضعاف حكومة مادورو قبل الانتخابات.
  • تطويق النفوذ الروسي المتنامي في الكاريبي.
  • ضبط أسواق الطاقة في ظل التوترات العالمية وارتفاع أسعار النفط.

بمعنى آخر، واشنطن لا تبحث عن قوارب تهريب صغيرة، بل تسعى إلى إعادة رسم ميزان القوى في أميركا اللاتينية من جديد، وإرسال رسالة ردع إلى كل من موسكو وبكين اللتين تملكان استثمارات عسكرية واقتصادية ضخمة في فنزويلا.

 

خطر التصعيد العسكري

التطور الأخير يُنذر باحتمال انزلاق الموقف إلى مواجهة محدودة أو حتى صدام مباشر.

وجود حاملة طائرات أميركية على بعد بضع مئات الكيلومترات من السواحل الفنزويلية، يقابله انتشار صواريخ روسية متقدمة من طراز S-300 وBuk-M2 داخل الأراضي الفنزويلية، ما يجعل أي خطأ في الحسابات العسكرية كارثيًا.

العديد من العواصم اللاتينية عبّرت عن قلقها من أن تتحول المنطقة إلى ساحة مواجهة بين واشنطن وموسكو بالوكالة، بما يعيد أجواء الحرب الباردة إلى نصف الكرة الغربي.

 

الواقع اليوم في كاراكاس

حتى مساء الأحد، لا تزال الأوضاع متوترة في العاصمة الفنزويلية، حيث شهدت تحركات واسعة للقوات المسلحة وانتشارًا لبطاريات الدفاع الجوي في محيط القواعد العسكرية.

في الوقت نفسه، تتواصل الدعوات الشعبية لمساندة الجيش ورفض أي تدخل أجنبي، بينما تشهد المدن الحدودية مع كولومبيا تشديدًا أمنيًا واسعًا.

مادورو قال في كلمة متلفزة إن بلاده "لن تركع لأحد" وإن الشعب الفنزويلي "سيدافع عن وطنه كما فعل أسلافه ضد الإمبريالية"، مضيفًا أن "كل صاروخ يُوجَّه إلينا سيُقابل بصاروخ دفاعي جاهز".

 

ختامًا المنطقة تسير نحو حافة مواجهة مفتوحة بين الولايات المتحدة وحلفاء فنزويلا، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمة الصواريخ الكوبية قبل ستة عقود.

فبينما تصف واشنطن تحركاتها بأنها دفاع عن الأمن الإقليمي، تراها كاراكاس محاولة لإسقاط النظام بالقوة.

وفي خضم هذا التصعيد، تبقى الحقيقة المؤكدة أن كل تحرك عسكري جديد في الكاريبي يهدد بإشعال صراع تتجاوز نيرانه فنزويلا لتطال الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة الدولي.