في واحدة من أكثر التصريحات استفزازًا للرأي العام، قال الإعلامي المقرب من النظام حمدي رزق تعليقًا من نسج خياله لما يسميه بالرفض الشعبي لقرارات الإفراج عن عدد محدود من المعتقلين: "الرفض العام للإفراج عن المعتقلين علامة صحة مجتمعية، لأن كده المجتمع سليم البدن والعقل، وعارف كويس مين آذاه ومين أضره".

كلمات رزق لم تمر مرور الكرام؛ إذ اعتبرها كثيرون صوتًا رسميًا لضمير غائب، يجسد الحالة التي وصل إليها الإعلام المصري تحت سطوة السلطة، حين يُصبح تمجيد القمع وشيطنة الضحايا “رأيًا وطنيًا”.

لكن خلف هذه التصريحات، تمتد مأساة إنسانية ضخمة، حيث يقبع عشرات الآلاف من المصريين خلف القضبان في حبس احتياطي مفتوح، بلا تهم حقيقية، وبلا محاكمات عادلة، في ظل صمت إعلامي وتهليل مدفوع الأجر.
إعلام بلا ضمير.. الميكروفون في خدمة السلطة

منذ سنوات، تحوّل عدد كبير من الإعلاميين المصريين إلى أبواق رسمية للنظام، يتنافسون في تبرير الانتهاكات، وتمجيد القمع باعتباره "ضرورة أمنية" و"ضمانة للاستقرار".

وحمدي رزق، الذي كان يومًا يُقدم نفسه كصوت معتدل، صار أحد رموز هذا الانحدار المهني. فهو لا يتحدث من منطلق حرية الرأي، بل يكرّر خطاب السلطة حرفيًا، في محاولة لإعادة تعريف المفاهيم الأخلاقية، حتى يصبح الظلم وطنيًا، والمعارضة خيانة.

يقول الباحث الإعلامي عمرو بدر إن "الإعلام المصري الرسمي لم يعد ناقلًا للواقع، بل صانعًا لواقع زائف يخدم مصالح النظام. تصريحات حمدي رزق جزء من ماكينة ضخمة تتقاضى الأموال لتزييف وعي الناس وإقناعهم بأن السجن حماية، والقمع علاج".
وتساءل عطية " ومتى جرى الاستفتاء لمعرفة رأي المجتمع؟ حول الموضوع".
https://x.com/AttaaKarouit/status/1982014197643829548
وأشار سامح سعد " يبدو أن معايير “الصحة المجتمعية” قد انقلبت رأسًا على عقب، فصار البغضُ ورفض الحرية دليلَ وعي، وأصبح من يطلب العدالة متَّهَمًا بضعف المناعة الوطنية! هنيئًا لنا بهذا الطبّ الاجتماعي الذي يعالج الوطن بمشرط القسوة."

https://x.com/samehAssad2/status/1982032851861160264

ولفتت سلوى " مين اعطاك الصلاحية تتكلم بأسمنا نحن الشعب نطالب بالإفراج عن كل المصريين في سجون الظلم بل نطالبكم بالاختفاء عن المشهد العام نهائياً فأنتم فشله وقاتلين وفاسدين وأنتم من أوصلتم حال البلد إلى القاع أرحلوا غير مؤسوف عليكم"..

https://x.com/slwy7483523/status/1982056521233031178

ونوهت إسعاد " نفس كلام قوم فرعون، إنهم كانوا قوما فاسقين".

https://x.com/asaadqaasd11/status/1982348587750072558

وتساءلت ليلى " أيعقل ان يكون مثل هؤلاء الانقياء في السجون ؟؟ بينما يغيش رغد العيش الفاسدون منعمون..حسبنا الله ونعم الوكيل".

https://x.com/Laila0549425631/status/1982022108562456742

وأكد محمد رضا " الرويبضه حين يتكلمون بلسان العامه فاعلم بأن سفينة الأوطان لا محالة غارقه".

https://x.com/rda_mhmd217/status/1982160116905283629

آلاف المعتقلين بلا تهم.. الحبس الاحتياطي كعقوبة سياسية
تقدّر منظمات حقوق الإنسان عدد المعتقلين السياسيين في مصر بما يتراوح بين 60 و70 ألف معتقل، بينهم صحفيون، أكاديميون، طلاب، أطباء، وحتى فتيات ونساء.
الآلاف منهم محتجزون منذ سنوات دون محاكمة أو تهمة واضحة، في مخالفة صريحة للدستور المصري والقانون الدولي.

ولأن النظام لا يريد الاعتراف بوجود “سجناء رأي”، يُستخدم الحبس الاحتياطي كسلاح قانوني للتعذيب البطيء، بحيث يُجدد حبس المتهم كل 15 يومًا بلا مبرر قضائي حقيقي.
الناشط الحقوقي خالد علي يؤكد أن "مصر تعيش أكبر موجة اعتقالات في تاريخها الحديث، والمشكلة أن السلطة تتعامل مع الحبس الاحتياطي كأداة انتقام، وليس إجراء قانونيًا".
ويضيف أن “من يتم الإفراج عنه يواجه خطرًا جديدًا اسمه تدوير القضايا، أي إعادة اعتقاله في قضية جديدة بنفس الاتهامات”.

 

إضرابات داخل السجون.. أجساد تقاوم الصمت

في الأسابيع الأخيرة، دخل عشرات المعتقلين السياسيين في إضرابات مفتوحة عن الطعام داخل سجون بدر وطرة ووادي النطرون، احتجاجًا على سوء المعاملة وغياب الرعاية الصحية.

شهادات أهالي المعتقلين تؤكد أن السلطات تعزل المضربين عن الطعام في زنازين انفرادية مظلمة، وتمنع عنهم الزيارات والأدوية.
بل إن بعضهم يُترك بلا علاج رغم معاناته من أمراض مزمنة، بينما الإعلام الرسمي يلتزم الصمت أو يسخر من معاناتهم.

تقول الحقوقية هدى عبدالسلام إن "الوضع في السجون المصرية وصل إلى حد الإبادة البطيئة. من ينجو من التعذيب يموت بالإهمال الطبي، ومن يصرخ يُتهم بأنه إرهابي يريد هدم الدولة".

 

النساء أيضًا لم يسلمن

لم يتوقف القمع عند الرجال. فقد طالت الاعتقالات ناشطات وصحفيات لمجرد التعبير عن رأيهن.وفي الوقت الذي تُروّج فيه الدولة لصورة “تمكين المرأة”، تُكمم أفواه النساء اللاتي طالبن بالحرية والكرامة.

 

تزييف الواقع.. حين يصبح الألم مادة للدعاية

ما فعله حمدي رزق ليس مجرد رأي شخصي، بل تعبير صادق عن نهج كامل يتبناه النظام في مواجهة الحقيقة.
فبدل أن يعترف بوجود أزمة إنسانية داخل السجون، يُصرّ على تصوير التعاطف مع المعتقلين كـ"خيانة"، والإفراج عنهم كـ"تهديد للمجتمع".

إنها محاولة لتحويل القمع إلى فضيلة، وتحويل الألم إلى دليل على “سلامة الجسد الوطني”.

الإعلامي سامي كمال الدين يعلّق قائلًا: "حين يدافع إعلامي عن التعذيب، فهو لا يبرر فقط جريمة، بل يشارك فيها. الفرق بين السجان والإعلامي المأجور أن الأول يستخدم العصا، والثاني يستخدم الميكروفون".

وأخيرا فتصريحات حمدي رزق ليست زلة لسان، بل انعكاس لنظام فقد بوصلته الأخلاقية والإعلامية. في بلد تُدفن فيه الحرية داخل الزنازين، يصبح صوت المأجور أعلى من صوت الضحية. لكن الحقيقة لا تختفي تحت الدعاية، فخلف كل معتقل حكاية إنسانية لا يمكن إسكاتها إلى الأبد.
ومهما حاولت السلطة شراء الأقلام وشراء الوعي، سيبقى السؤال قائمًا: من المريض فعلًا؟
المعتقل الذي يطلب الحرية، أم الإعلامي الذي يصفق للقمع باسم “الصحة المجتمعية”؟