لم تمض سوى أيام على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، حتى تفاجأ المراقبون بقرار صادم للكنيست، اليوم، بالموافقة على مشروع قانون لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

 

وأقر مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست آفي ماعوز (نوعام)، ويحمل عنوان" "تطبيق السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة، 2025" بأغلبية ضئيلة (25 صوتًا مقابل 24) بعد نقاش محتدم في الكنيست.

 

وسيُحال مشروع القانون إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، حيث سيُطرح للمناقشة قبل خضوعه للتصويت الثاني والثالث في الجلسة العامة.

 

فرض السيادة على الضفة

ويدفع العديد من أعضاء حكومة الكيان الصهيوني باتجاه فرض السيادة على الضفة، مما سيتسبب في الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية. ومن بين المدافعين عن قرار الضم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي اعتبر أن "وقت فرض السيادة على الضفة حان الآن".

 

في حين يخشى حزب الليكود الذي يقود الائتلاف الحكومي من أن يؤدي تمرير قانون تعزيز احتلال الضفة إلى إشعال أزمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

وقال في بيان له، إن السيادة الحقيقية على الضفة لن تتحقق بما وصفته "قانونًا استعراضيًا يهدف للإضرار بعلاقاتنا مع واشنطن وبالإنجازات التي تحققت". وأضاف "نحن نعزز الاستيطان يوميا بالأفعال وبالميزانيات وبالبناء وبالصناعة وليس بالكلام".

 

وفي 23 يوليو الماضي، أيد الكنيست مقترحًا يقضي بضم الضفة الغربية، بأغلبية 71 نائبًا من إجمالي 120. وقوبلت الخطوة بتنديد من الرئاسة الفلسطينية. ووصفتها حركة "حماس" بأنها باطلة وغير شرعية وتقوض فرص السلام وحل الدولتين.

 

ووفق ما أوردت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في نهاية سبتمبر الماضي عن مسؤول صهيوني فإن "إدارة الرئيس ترامب حذرت تل أبيب سرا من ضم الضفة الغربية المحتلة ردًا على قرار العديد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين".

 

وأشار المسؤول الكبير إلى أن تل أبيب لا ترى أن هذا التحذير يمثل "نهاية النقاش"، وأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– يعتزم مناقشة الأمر مع ترامب.

 

القدس الشرقية ومرتفعات الجولان

 

يأتي ذلك في إطار سلسلة من القرارات التي تضرب بعرض الحائط القانوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة، ويرسخ لاحتلال دائم للأراضي الفلسطينية، ويقضي على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية في حدود الأراضي المحتلة عام 1967.

 

البداية كانت في عام 1980، عندما أعلن الكيان الصهيوني رسميًا ضم القدس الشرقية، التي احتلها عسكريًا مع بقية الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان السورية خلال حرب 1967.

 

وفي العام التالي، ضمّ الكيان فعليًا مرتفعات الجولان أيضًا، وهما الخطوتان اللتان قوبلتا برفض المجتمع الدولي باعتبارهما غير قانونيتين، بما في ذلك قرارا مجلس الأمن 478 (القدس) و479 (الجولان).

 

في عام 2016، أقر مجلس الأمن القرار رقم 2334، وينص فيه على "إدانة جميع التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة السكانية وطبيعة ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، بناء المستوطنات وتوسيعها، ونقل المستوطنين الإسرائيليين، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وتشريد المدنيين الفلسطينيين، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي والقرارات ذات الصلة".

 

وجاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2017، بالاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على القدس، ونقل السفارة الأمريكية إليها في العام التالي، على الرغم من اعتراضات حكومات في العالم الإسلامي، بينها حلفاء للولايات المتحدة.

 

واعتبر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس الخطوة، "إعلانًا بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة الدور الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية في رعاية عملية السلام". يبنما حذرت حركة "حماس" من أن قرار ترامب "سيفتح أبواب جهنم على المصالح الأمريكية.

 

وفي عام 2019، اعترف بسيادة الكيان على مرتفعات الجولان. وقد أدان المجتمع الدولي كلا القرارين، بما في ذلك العديد من حلفاء الولايات المتحدة المقربين. ورفضتها الأمم المتحدة.

 

ضم الضفة الغربية

 

يشكل القرار رقم 242، الذي أصدره مجلس الأمن عقب حرب عام 1967 حجر الزاوية في الدبلوماسية الدولية فيما يتصل بالضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى، ويؤكد على "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب".

 

في يونيو 2019، وفي أعقاب التهديدات التي أطلقها نتنياهو وغيره من السياسيين الإسرائيليين بضم الضفة الغربية، حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967) قائلاً: إن "القانون الدولي واضح للغاية: إن الضم والاحتلال الإقليمي محظوران بموجب ميثاق الأمم المتحدة".

 

في يناير 2020، كشف الرئيس الأمريكي عن خطة بعنوان: "السلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، اعترف من خلالها بضم الكيان الصهيوني لنحو 30 بالمائة من الضفة الغربية، وهو ما رفضه المجتمع الدولي.

 

وقالت حكومة نتنياهو في أبريل 2020، إنه يمكنها البدء في ضم الضفة الغربية اعتبارًا من الأول من يوليو، وهو ما أثار اعتراض والمجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي حذر من أنه ذلك "سيشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي".

 

في يونيو 2020، حذر ما يقرب من 50 خبيرًا مستقلًا في مجال حقوق الإنسان من أن ضم الكيان للضفة الغربية "يُشكل انتهاكًا خطيرًا لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، ويتعارض مع القاعدة الأساسية التي أكدها مرارًا وتكرارًا مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تُفيد بأن الاستيلاء على الأراضي بالحرب أو القوة أمر غير مقبول... وقد حظر المجتمع الدولي الضم تحديدًا لأنه يُثير الحروب والدمار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان والمعاناة الإنسانية على نطاق واسع ".

 

وأد حلم الدولة الفلسطينية

 

ويقول خبراء فلسطينيون، إن قرار ضم الضفة الغربية من شأنه أن يقضي على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وإلغاء فكرة حل الدولتين ترتكز على حدود ما قبل حرب عام 1967، ويتم الاعتراف المتبادل بين الدولتين. وقد تم طرحها لأول مرة في سياق قرار الأمم المتحدة رقم 181 عام 1947، وينص على تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية.

 

وسيتيح القرار حال إقراره لإسرائيل بأن تتعامل مع الضفة الغربية على أنها جزء من أراضيها السيادية، تنطبق عليها القوانين الإسرائيلية، من دون الاعتراف بسكانها الفلسطينيين كمواطنين، ما يعني أنهم سيصبحون سكانًا بلا حقوق: لا يحق لهم التصويت، ولا الترشح، ولا حتى التحرك بحرية من مدينة إلى أخرى من دون تصاريح أمنية من جيش الاحتلال.

 

كما سيؤدي ذلك بالتبعية إلى انهيار التنسيق الأمني، وفقدان السلطة الفلسطينية لصلاحيتها، بينما يخضع أكثر من 3 ملايين فلسطيني في الضفة لحكم مباشر من "المنسق الإسرائيلي" أو ما يُعرف باسم "الإدارة المدنية"، على غرار ما حدث بعد حرب 1967.