أثارت مقاطع فيديو لناشطين ومرشحين، مثل مرشح بورسعيد حسن عمار الذي أشار إلى المقعد البرلماني باعتباره إرثًا عائليًا، جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي في مصر خاصة بعد أن قدم استقالته من حزب مستقبل وطن وقرر أن يخوض الانتخابات منفردا، مسلطة الضوء مجددًا على ظاهرة "توريث المقاعد النيابية" التي باتت نمطًا متزايدًا في الحياة السياسية المصرية.
هذه الظاهرة، التي يعتبرها كثيرون نقيضًا للديمقراطية وتكافؤ الفرص، تحوّل العضوية في مجلس النواب من منصب عام قائم على الكفاءة والاختيار الشعبي إلى ما يشبه الإرث الذي تتناقله الأسر، مما يرسخ سطوة العائلات السياسية ويقوض الثقة في المؤسسة التشريعية.
المفارقة الصارخة هي أن "رفض التوريث" كان أحد أبرز شعارات ثورة 25 يناير 2011، التي قامت في جزء كبير منها لمعارضة خطط توريث الحكم من الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى نجله جمال. لكن بعد سنوات، يبدو أن فكرة التوريث لم تختفِ، بل تسللت بقوة إلى السلطة التشريعية نفسها.
غضب النشطاء
يرى حساب سيزر " نظام التوريث دا متأصل فى البلدان العربيه وكأنها تكيه عشان كدا هيفضلو اضحوكه لان مفيش كفاءات هتظهر على كل المستويات".
نظام التوريث دا متأصل فى البلدان العربيه وكأنها تكيه عشان كدا هيفضلو اضحوكه لان مفيش كفاءات هتظهر على كل المستويات
— سيزر 🔗 (@warblers_3) January 4, 2023
وأشار أسامة " اصلا المجلس لا قيمة له وتسريح نوابه اوفر للشعب من المصاريف والصداع..كلهم مطبلاتية".
اصلا المجلس لا قيمة له وتسريح نوابه اوفر للشعب من المصاريف والصداع..كلهم مطبلاتية
— اسامه المنائرى (@8Eku0g5MMWkiQmm) January 4, 2023
وتهكم خالد " من عادات وتقاليد المنطقة العربية أن ابن المسؤول مسؤول وابن الوزير وزير وابن الشيخ شيخ وابن الفقير فقير".
من عادات وتقاليد المنطقة العربية أن ابن المسؤول مسؤول وابن الوزير وزير وابن الشيخ شيخ وابن الفقير فقير
— خالد الوهيبي (@khalidalwhebi2) January 3, 2023
وسخرت أمل " كله شغال توريث ودفع مبالغ طائلة الله أعلم مصدرها وجيمي المسكين الجيش مرضيش بيه".
كله شغال توريث ودفع مبالغ طائلة الله أعلم مصدرها
— 𝒜𝓂𝓁 💖 𝒜𝓂𝓁 (@AmlAml204) January 3, 2023
وجيمي المسكين الجيش مرضيش بيه 🤣🤣
وأشارت لؤلؤة " وأين المفكرين والإقتصاديين المخضرمين وأصحاب العلم والفهم إلى متى سيظلوا فى المنفى وإلى متى سنظل باقيين فى كفر دلهاب".
وأين المفكرين والإقتصاديين المخضرمين وأصحاب العلم والفهم إلى متى سيظلوا فى المنفى وإلى متى سنظل باقيين فى كفر دلهاب
— لؤلؤة (@lililololiloli) January 4, 2023
نماذج متكررة من "التوريث النيابي"
لم تعد ظاهرة توريث المقاعد مقتصرة على الحالات الفردية أو النادرة، بل أصبحت مشهدًا متكررًا يضم أبناء وبنات وأشقاء نواب حاليين أو سابقين. وتبرز العديد من الأسماء التي ورثت مقاعد ذويها، ومن أبرزها:
هيثم الحريري: نجل البرلماني المعارض المخضرم أبو العز الحريري، الذي ورث مقعد والده في دائرة محرم بك بالإسكندرية.
محمد مصطفى السلاب: حافظ على مقعد والده، رجل الأعمال البارز في عهد مبارك، مصطفى السلاب.
خالد عبد العزيز شعبان: استكمل مسيرة والده، النائب الشهير عن دائرة دار السلام بالقاهرة لأكثر من 20 عامًا.
رغدة عبد السلام نجاتي: أدت اليمين الدستورية لتشغل مقعد والدتها النائبة المتوفاة ابتسام أبو رحاب، في واقعة أثارت جدلًا كبيرًا حول كيفية وصول الأبناء مباشرة لملء فراغ الآباء والأمهات في البرلمان.
اللواء سعد الجمال: ورث مقعد شقيقه محمد الجمال، وترأس لاحقًا ائتلاف الأغلبية "دعم مصر".
تتعدد الأشكال، من الابن الذي يرث أباه، إلى البنت التي ترث أمها أو أبيها، وحتى الأخ الذي يكمل مسيرة شقيقه، مما يعكس تركز السلطة التشريعية في أيدي عدد محدود من العائلات.
"القائمة المطلقة": الباب الخلفي للتوريث
يُعد نظام "القائمة الانتخابية المطلقة المغلقة" أحد الأسباب الرئيسية التي سهّلت تفشي هذه الظاهرة بشكلها الحالي. فبموجب القانون، يتوجب على الأحزاب تقديم قائمة أساسية من المرشحين وقائمة أخرى احتياطية بنفس العدد. وفي حال خلو مقعد أحد نواب القائمة (بسبب الوفاة أو الاستقالة أو إسقاط العضوية)، يتم تصعيد العضو التالي في القائمة الاحتياطية تلقائيًا لشغل المقعد، دون الحاجة لإجراء انتخابات تكميلية.
هذا الإجراء القانوني، رغم بساطته الظاهرية، فتح الباب على مصراعيه أمام التحايل وتثبيت التوريث. إذ يمكن للشخصيات النافذة داخل الأحزاب وضع أبنائهم أو أقاربهم في مواقع متقدمة على القوائم الاحتياطية، مما يضمن لهم "وراثة" المقعد بشكل شبه مؤكد في حال شغوره. وقد أدت هذه الآلية إلى وجود ما يقدر بنحو 88 مقعدًا محتملًا للتوريث في مجلس النواب الحالي. ويرى خبراء أن هذا النظام الانتخابي "المعيب" هو المسؤول المباشر عن استشراء الظاهرة، وهو نظام سبق أن طعنت المحكمة الدستورية في دستوريته إبان عهد مبارك.
تداعيات الظاهرة على الحياة السياسية
يمثل توريث المقاعد البرلمانية أكثر من مجرد ظاهرة اجتماعية، بل يحمل في طياته تداعيات خطيرة على مستقبل الديمقراطية في مصر:
تقويض مبدأ تكافؤ الفرص: يحوّل المقعد النيابي إلى حكر على عائلات بعينها، ويغلق الباب أمام الكفاءات والمواهب السياسية الجديدة التي لا تملك نفوذًا عائليًا أو ماليًا.
إضعاف المؤسسة التشريعية: عندما يُنظر إلى النواب على أنهم ورثة وليسوا ممثلين منتخبين بحرية، يفقد المجلس مصداقيته وهيبته في نظر الرأي العام.
ترسيخ ثقافة المحسوبية: تعزز الظاهرة فكرة أن المناصب العامة ليست للمستحقين، بل للأقارب، وهو ما يمتد ليشمل مجالات أخرى في الدولة.
غياب التجديد: تحد هذه الممارسة من تجديد النخب السياسية وتداول السلطة، وتبقي على نفس الوجوه والعقليات المهيمنة على المشهد.
وفي ظل انتشار هذه الظاهرة، يتصاعد السجال الشعبي والرقمي، حيث يربط المواطنون بين توريث المقاعد والحديث عن بيعها بمبالغ طائلة تصل إلى 50 مليون جنيه، مما يعمق الشعور بأن السياسة أصبحت سلعة للأثرياء وأصحاب النفوذ، وليست حقًا لجميع المواطنين. وفي النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة وإعادة الاعتبار للمسار الديمقراطي الذي ضحى من أجله المصريون في 2011؟.