في خطوة جديدة تؤكد استمرار سياسات الاحتلال الاقتصادي لمصر وابتلاع خيراتها، وقعت حكومة الانقلاب مؤخراً ثلاث اتفاقيات استراتيجية مع إمارة الفجيرة في الإمارات، تهدف إلى تأسيس شركة مساهمة مصرية لإقامة منطقة لوجستية متكاملة لتخزين وتداول الزيت الخام والمنتجات البترولية في منطقة العلمين على ساحل البحر المتوسط.
هذه الاتفاقيات تأتي في إطار تعزيز التعاون في مجال الطاقة بين البلدين، وتحت شعار تطوير ميناء الحمراء النفطي وإبراز مصر كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة.
الاتفاقيات الثلاث وأهدافها
وقّعت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية مع إمارة الفجيرة الإماراتية ثلاث اتفاقيات أساسية، تشمل تأسيس شركة مساهمة مصرية لإنشاء المنطقة اللوجستية التي تحتوي على التسهيلات الضرورية لتخزين وتداول الزيت الخام والمنتجات البترولية بحوض البحر المتوسط بمنطقة العلمين.
كما تضمنت الاتفاقيات عقداً خاصاً بتخزين البترول الخام في ميناء الحمراء النفطي وتوقيع اتفاق تجاري لتوريد المنتجات البترولية لصالح الهيئة المصرية العامة للبترول.
تظهر هذه الاتفاقيات رغبة مصر في تعظيم الاستفادة الاقتصادية من بنيتها التحتية النفطية الفريدة، واستثمار موقع ميناء الحمراء الاستراتيجي، بالإضافة إلى نقل خبرات تقنيات النفط والغاز العالمية التي تمتلكها الإمارات لتعزيز كفاءة الميناء ورفع مستواه إلى عالمياً.
المخاطر الجيوسياسية والاعتماد الأجنبي الناتج عن اتفاقيات إنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتداول الزيت الخام والمنتجات البترولية بين مصر والإمارات تشمل:
- تراجع السيادة الوطنية: منح شركات أجنبية، خاصة إماراتية، السيطرة على مرافق استراتيجية مثل مناطق التخزين النفطية يعرض مصر لفقدان السيطرة الكاملة على مواردها الحيوية، مما يقلل من قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مستقلة في قطاع الطاقة.
- تعزيز النفوذ الإماراتي في المنطقة: هذه الاتفاقيات تزيد من النفوذ الإماراتي الاقتصادي والسياسي في منطقة شرق المتوسط، الأمر الذي قد يؤثر على موازين القوى الإقليمية ويدعم تحالفات دولية قد لا تصب في مصلحة مصر على المدى البعيد.
- زيادة الاعتماد الاقتصادي على الخارج: الاستثمارات الأجنبية الكبيرة، وخاصة في قطاعات استراتيجية كالنفط، تعزز اعتماد مصر على الأموال والخبرات الأجنبية بدلاً من تطوير القدرات الوطنية، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد أمام التقلبات الخارجية وسياسات الدول الممولين.
- تعرض الاقتصاد لمخاطر التسييس: الاستثمار الأجنبي في القطاعات الحيوية قد يتعرض لتهديدات سياسية أو مقاطعات دبلوماسية تؤثر على استمرارية التشغيل، كما أن تقلبات العلاقات الإقليمية قد تعرقل المشاريع أو تستغل لابتزاز مصر في قضايا جيوسياسية.
- احتكاكات محتملة مع قوى إقليمية أخرى: توطيد العلاقات الاقتصادية واللوجستية مع الإمارات قد يثير حساسية دول إقليمية منافسة تؤدي إلى توترات أو صراعات جيوسياسية على النفوذ في البحر المتوسط وشرق أفريقيا.
- ضعف بناء القدرات المحلية: الاعتماد على الشركات الأجنبية يعوق تطوير الكوادر والتقنيات الوطنية، ما يطيل فترة اعتماد مصر على الخارج ويحد من قدرتها على تحقيق تنمية اقتصادية ذاتية مستدامة.
- هذه المخاطر تشكل تحديات حقيقية لمستقبل مصر الاقتصادي والجيوسياسي وتتطلب استراتيجيات وطنية مدروسة لتحقيق التوازن بين جذب الاستثمار وحماية المصالح الوطنية.
احتياج لسياسات اقتصادية وطنية
من جانبها، تبدو حاجة مصر ماسة إلى اعتماد سياسات اقتصادية وطنية تحفظ مواردها وثرواتها دون التفريط في التحكم الوطني بها.
فالاعتماد على استثمارات أجنبية كبيرة يجب أن يتوازن مع استراتيجيات تحمي الاقتصاد الوطني وتضمن توزيع عادل للعوائد المالية، يعزز قدرة الدولة على توفير الخدمات لمواطنيها وتحقيق تنمية مستدامة تشمل جميع قطاعات الاقتصاد.
الخلاصة أنه على الرغم من أن الاتفاقيات الجديدة بين مصر والإمارات تهدف إلى تطوير البنية التحتية في قطاع النفط والغاز، فإن توقيعها في ظل الظروف الحالية يثير جدلاً حول حجم السيطرة الأجنبية على خيرات البلاد.
استمرار هذا النهج يعكس واقع احتلال اقتصادي متجدد يبتلع ثروات مصر تدريجياً، مع تراجع السيادة الوطنية، الأمر الذي يتطلب مراجعة جادة لسياسات التعاون الاقتصادي بما يحفظ مصالح الشعب المصري وأمنه الاقتصادي.