لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة من 21 نقطة لإنهاء حرب غزة سوى حلقة جديدة من مسرحية متكررة في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
صحيح أن ترامب بدا هذه المرة وكأنه يتخذ موقفاً مغايراً حين رفض ضم الضفة الغربية، لكن ما بين السطور يوحي بأن جوهر الخطة لا يخرج عن سياق "ضمان أمن إسرائيل" وإعادة إنتاج وصاية دولية على غزة، هذه المرة عبر أسماء مثيرة للجدل مثل توني بلير.

الدكتور جمال سند السويدي وصف الموقف الأميركي بأنه تحول دراماتيكي عن دعم ترامب السابق للاستيطان، لكنه لم يخفِ تساؤله الجوهري: هل نحن أمام سلام حقيقي أم مجرد تكتيك سياسي جديد يخدم إسرائيل في ثوب مختلف؟ هذا السؤال وحده يكشف حجم الريبة التي تكتنف ما يسمى بالخطة الأميركية.
 

 

الأصوات العربية الرافضة لم تتأخر، فقد شدد ناصر بن حماد على رفض أي دور لتوني بلير، معتبراً تعيينه "صفعة للعرب وخيانة لدماء ضحاياه".
بلير الذي ارتبط اسمه بالحروب الكارثية في العراق والمنطقة، لا يمكن أن يُنظر إليه إلا كرمز لفشل السياسات الغربية، لا كمنقذ محتمل لغزة.

 

أما الكاتب الإماراتي محمد يوسف فقد عبّر عن حذر مبرّر، مؤكداً أن ترامب رجل متقلب، وكل ما يطرحه قابل للتغيير في أي لحظة.
وأشار إلى أن غياب إعلان رسمي مباشر من الرئيس الأميركي عن تفاصيل الخطة يزيد من الشكوك، خصوصاً أن كل ما يُنشر حتى الآن يعتمد على تسريبات منسوبة إلى مصادر "مقربة".
الأخطر أن أي لقاء بين ترامب ونتنياهو لم يسبق أن أسفر عن انفراجة، بل غالباً ما كان بوابة لموجة جديدة من الأزمات.

 

الكاتب هاني مسهور ذهب أبعد حين اعتبر أن الخطة قد تكون "فخاً استراتيجياً"، لكنه في الوقت نفسه حمّل العرب مسؤولية تاريخية في مواجهة معضلة حماس.
فترك غزة أسيرة لمعادلات إيرانية – إسرائيلية يعني استمرار الدم والفوضى، بينما المطلوب مبادرة عربية خالصة تنهي الانقسام وتعيد القرار الفلسطيني إلى أهله، بعيداً عن وصاية الخارج.

 

أما التفاعل الشعبي فجاء ممزوجاً بالسخرية، كما عبّر عنه حزب "تكنو قراط مصر" حين سخر من فكرة تعيين بلير حاكماً لغزة، في إشارة إلى استخفاف أميركي بالدم العربي وتجاهل الإرادة الفلسطينية.

 

في المقابل، لم يخلُ المشهد من أصوات متفائلة مثل المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الذي قال إن واشنطن واثقة من تحقيق "اختراق قريب"، لكن هذه النبرة المتفائلة لا تكفي لمحو الخشية من أن تتحول الخطة إلى غطاء جديد لمصادرة القرار الفلسطيني وتعميق التبعية السياسية.

 

الخلاصة
ما يُطرح اليوم لا يبدو أنه يحمل جديداً جوهرياً، سوى إعادة تدوير الأفكار القديمة نفسها، بوجوه فقدت مصداقيتها.
أما الحديث عن "سلام شامل" فلا يزال رهينة موازين القوى الأميركية – الإسرائيلية، لا الإرادة العربية ولا الحقوق الفلسطينية.